وقوله : (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً ..) بيان لحالة ثانية من أهوال يوم القيامة.
أى : وترى ـ أيها المخاطب ـ الأرض ظاهرة للأعين دون أن يسترها شيء من جبل ، أو شجر ، أو بنيان.
يقال : برز الشيء بروزا ، أى : خرج إلى البراز ـ بفتح الباء ـ أى : الفضاء وظهر بعد الخفاء.
قال ـ تعالى ـ : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ. وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً ، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ).
ثم بين ـ سبحانه ـ حالة ثالثة من أهوال يوم القيامة فقال : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً).
أى : وحشرنا الخلائق جميعا ، بأن جمعناهم في المكان المحدد لجمعهم ، دون أن نترك منهم أحدا ، بل أخرجناهم جميعا من قبورهم لنحاسبهم على أعمالهم.
والفعل «نغادر» من المغادرة بمعنى الترك ، ومنه الغدر لأنه ترك الوفاء والأمانة وسمى الغدير من الماء غديرا ، لأن السيل ذهب وتركه.
ثم تذكر السورة الكريمة حالة رابعة من أهوال يوم القيامة ، هي حالة العرض بعد حالة الجمع فتقول : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا).
أى : وأحضروا جميعا إلى ربك مصفوفين في صف واحد أو في صفوف متعددة ، ليقضى فيهم ـ سبحانه ـ بقضائه العادل.
قال الآلوسى : أخرج ابن مندة في التوحيد عن معاذ بن جبل ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله ـ تعالى ـ ينادى يوم القيامة ، يا عبادي : أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين. وأحكم الحاكمين ، وأسرع الحاسبين. أحضروا حجتكم ويسروا جوابكم. فإنكم مسئولون محاسبون. يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب».
وفي الحديث الصحيح : «يجمع الله ـ تعالى ـ الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ..» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ..) مقول لقول محذوف ، وجملة «كما خلقناكم» نعت لمصدر محذوف.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٢٨٩.