أى : ويقولون بأسف وندامة وحسرة : يا هلاكنا أقبل فهذا أوان إقبالك.
ثم يقولون على سبيل التعجب والدهشة من دقة ما اشتمل عليه هذا الكتاب : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها)؟
أى : أى شيء ثبت لهذا الكتاب ، حيث نراه لا يترك معصية صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها علينا ، وسجلها في صحف أعمالنا.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بما يدل على شمول علمه. ونفاذ قدرته وكمال عدله ، فقال : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً ، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً).
أى : ووجدوا ما عملوه في الدنيا حاضرا ومسطورا في صحائف أعمالهم ، ولا يظلم ربك أحدا من العباد ، وإنما يجازى كل إنسان على حسب ما يستحقه من ثواب أو عقاب كما قال ـ سبحانه ـ : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها ، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (١).
وكما قال ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (٢).
قال الإمام ابن كثير وقوله : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) أى : فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعها ، ولا يظلم أحدا من خلقه ، بل يغفر ويصفح ويرحم ، ويعذب من يشاء ، بقدرته وحكمته وعدله.
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد أخبرنا همام بن يحيى ، عن القاسم بن عبد الواحد المكي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلي ، فسرت إليه شهرا ، حتى قدمت عليه الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس ، فقلت للبواب : قل له جابر على الباب ، فقال : ابن عبد الله؟ فقلت : نعم ، فخرج يطأ ثوبه ، فاعتنقنى واعتنقته ، فقلت : حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه ، فقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : يحشر الله ـ عزوجل ـ الناس يوم القيامة ، عراة غرلا بهما ، أى : ليس معهم شيء ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من
__________________
(١) سورة الأنبياء آية ٤٧.
(٢) سورة النساء آية ٤٠.