والمقصود بهذا التذكير تحذيرهم من وساوسه ، وحضهم على مخالفته ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) (١).
والملائكة : جمع ملك. وهم ـ كما وصفهم الله تعالى ـ : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٢).
وآدم : اسم لأبى البشر ، قيل : إنه اسم عبراني مشتق من أدمه بمعنى التراب.
والسجود لغة : التذلل والخضوع. وخص في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة.
وإبليس اسم مشتق من الإبلاس ، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس وفعله أبلس ، والراجح أنه اسم أعجمى. ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة.
والمعنى ـ واذكر ـ أيها العاقل ـ لتعتبر وتتعظ ، وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، سجود تحية واحترام وتوقير ، لا سجود عبادة وطاعة لأن ذلك لا يكون إلا لله رب العالمين. فامتثلوا أمرنا وسجدوا جميعا ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ).
وجاء العطف في قوله (فَسَجَدُوا) بالفاء المفيدة للتعقيب ، للإشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد ، استجابة لأمر خالقهم ـ عزوجل.
وقوله ـ تعالى ـ (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) بيان لموقف إبليس من أمر الله تعالى ، وهو أنه أبى واستكبر وامتنع عن السجود لآدم. وظاهر الآية يفيد أن سبب فسقه عن أمر ربه : كونه من الجن لا من الملائكة إذ من المقرر في علم الأصول ؛ أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل ، كما في قولهم ، سرق فقطعت يده.
والمعنى : امتثل الملائكة جميعا أمرنا فسجدوا لآدم ، إلا إبليس فإنه أبى واستكبر ولم يسجد ؛ لأنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة «ففسق عن أمر ربه» أى. فخرج بذلك عن طاعتنا ، واستحق لعنتنا وغضبنا.
وأصل الفسق : الخروج عن الطاعة مأخوذ من قولهم : فسق الرطب فسوقا إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكفر ، فيقال للعاصي فاسق ، وللكافر فاسق.
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٦.
(٢) سورة التحريم الآية ٦.