ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بالإنكار والتوبيخ والتعجيب ممن يتبع خطوات إبليس وذريته فقال : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً).
أى : أفبعد أن ظهر لكم ـ يا بنى آدم ـ ما ظهر من فسوق إبليس عن أمر ربه ، تتخذونه وذريته الذين نهجوا نهجه ، أولياء ، وأصفياء من دوني ، فتطيعونهم بدل أن تطيعوني ، والحال أن إبليس وذريته لكم عدو؟
لا شك أن من يفعل ذلك منكم يكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وآثر الغي على الرشد ، والضلالة على الهداية ، والفسوق على الإيمان!!.
فالجملة الكريمة تستبعد من كل عاقل ، أن يطيع إبليس وذريته ، بعد أن تبين له عداوتهم إياه ، وحرصهم على إيقاعه في موارد الهلكة والسوء.
وقوله : (وَذُرِّيَّتَهُ) يدل على أن لإبليس ذرية ، إلا أن الطريقة التي بواسطتها كانت له الذرية ، لم يرد بها نص صحيح يعتمد عليه ، لذا وجب تفويض علمها إلى ـ الله تعالى ـ.
قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية : والظاهر أن المراد من الذرية الأولاد فتكون الآية دالة على أن له أولادا ، وبذلك قال جماعة .. وعن قتادة أنه قال : إنه ينكح وينسل كما ينسل بنو آدم.
ثم قال الآلوسى : ولا يلزمنا أن نعلم كيفية ولادته ، فكثير من الأشياء مجهول الكيفية عندنا ، ونقول (٢) به.
وقوله ـ تعالى ـ : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) حكم منه ـ سبحانه ـ بسوء التفكير والمصير على المتخذين إبليس وذريته أولياء من دونه ـ تعالى ـ وبئس فعل يفيد الذم ، والبدل : العوض عن الشيء.
أى بئس للظالمين ، الواضعين للشيء في غير موضعه ، ما فعلوه من تركهم طاعة الله ـ تعالى ـ وأخذهم في مقابل ذلك طاعة إبليس وذريته.
والمخصوص بالذم محذوف دل عليه المقام والتقدير : بئس البدل والعوض عن طاعة الله ـ تعالى ـ طاعة إبليس وذريته.
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يدل على كمال علمه وقدرته ، وعلى عجز وجهالة المعبودين من دونه ، فقال ـ تعالى ـ : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ).
__________________
(٢) تفسير الآلوسي ج ١٥ من ٢٩٥.