والضمير في قوله «ما أشهدتهم» يعود إلى إبليس وذريته ، والإشهاد : بمعنى الإحضار والإعلام.
أى : ما أشهدت إبليس وذريته خلق السموات والأرض ، لأنى خلقتهما دون أن أستعين في خلقهما بأحد ، أو لأنى خلقتهما قبل خلقهم ، (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) أى : ولا أشهدت بعضهم خلق بعض ، لأنى لا أستعين بأحد حين أخلق ما أشاء ، ولا أستشير أحدا حين أقدر ما أشاء.
وما دام الأمر كذلك فكيف تتخذونهم أولياء وشركاء من دوني وأنا الخالق لكل شيء ، والقاهر فوق كل شيء؟.
فالجملة الكريمة استئناف مسوق لبيان كمال علمه وقدرته ـ سبحانه ـ ، ولبيان عدم استحقاق إبليس وذريته للاتخاذ المذكور في أنفسهم ، بعد بيان المواقع والصوارف التي تمنع وتصرف عن اتخاذهم أولياء ، من خباثة أصلهم ، وفسوقهم عن أمر ربهم.
وهذا المعنى الذي صرحت به الآية الكريمة من تفرد الله ـ تعالى ـ بالخلق والقدرة. قد جاء في آيات أخرى منها قوله ـ تعالى ـ (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ، بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) مؤكد لما قبله من تفرده ـ سبحانه ـ بالخلق والقدرة والعلم.
والعضد ـ بفتح العين وضم الضاد ـ في الأصل ، يطلق على العضد المعروف ما بين المرفق إلى الكتف ، ويستعار للمعين والناصر فيقال : فلان عضدي ، أى : نصيرى.
ومنه قوله ـ تعالى ـ لنبيه موسى ـ عليهالسلام ـ (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) أى : سنقويك ونعينك بأخيك هارون وذلك لأن اليد قوامها العضد ، فإذا فقدته أصابها العجز.
أى : وما كنت متخذ المضلين عن سبيلي أعوانا وأنصارا في شأن من شئونى ، وخص ـ سبحانه ـ المضلين بالذكر ، زيادة في ذمهم وتوبيخهم ، وتقريعا لأمثالهم ، لأنه ـ عزوجل ـ ليس له أعوان ولا أنصار فيما يفعله لا من المضلين ولا من المهتدين.
ولم يقل ـ سبحانه ـ وما كنت متخذهم .. بالإضمار ، كما قال : (ما أَشْهَدْتُهُمْ) بل
__________________
(١) سورة لقمان الآية ١١.