أظهر في مقام الإضمار ، لتسجيل الضلال عليهم ، حتى ينصرف عنهم كل عاقل ، وللتنبيه على أن الضالين المضلين لا تصح الاستعانة بهم.
ولقد حكى الله ـ تعالى ـ عن نبيه موسى ـ عليهالسلام ـ براءته من المجرمين فقال : (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) (١).
والظهير : الناصر والمعين لغيره.
ثم ساقت السورة الكريمة مشهدا من مشاهد القيامة ـ يكشف عن سوء المصير الذي ينتظر الشركاء وينتظر المجرمين. فقال ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ...).
أى : واذكر ـ أيها العاقل ـ يوم يقول الله ـ تعالى ـ للمجرمين والكافرين على سبيل التوبيخ والتقريع : أيها الكافرون ، نادوا شركائى الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم في هذا الموقف العصيب «فدعوهم» أى : فأطاعوا أمر خالقهم ، ودعوا شركاءهم لكي يستغيثوا بهم «فلم يستجيبوا لهم» أى : فلم يجدوا منهم أدنى استجابة فضلا عن النفع أو العون.
وقوله : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) أى : وجعلنا بين الداعين والمدعوين مهلكا يشتركون فيه جميعا وهو جهنم.
فالموبق : اسم مكان من وبق وبوقا ـ كوثب وثوبا ـ أو وبق وبقا كفرح فرحا ـ إذا هلك. ويقال فلان أوبقته ذنوبه : أى أهلكته. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) أى يهلكهن. ومنه الحديث الشريف : «كل يغدو فموبق نفسه» ـ أى مهلكها ـ ومنه أيضا قوله صلىاللهعليهوسلم : «اجتنبوا السبع الموبقات» أى : المهلكات.
وقيل : الموبق اسم واد في جهنم فرق الله به بينهم ، أى بين الداعين والمدعوين.
وقيل : كل حاجز بين شيئين فهو موبق.
قال ابن جرير ـ رحمهالله ـ بعد أن ذكر جملة من الأقوال في ذلك : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، القول الذي ذكرناه من أن الموبق بمعنى المهلك وذلك أن العرب تقول في كلامها : قد أوبقت فلانا إذا أهلكته ..» (٢).
__________________
(١) سورة القصص الآية ١٧.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١٥ ص ١٧٢.