(اسْتَطْعَما أَهْلَها) والاستطعام : سؤال الطعام. والمراد به هنا سؤال الضيافة لأنه هو المناسب لمقام موسى والخضر ـ عليهماالسلام ـ ولأن قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) يشهد له.
أى : فأبى وامتنع أهل تلك القرية عن قبول ضيافتهما بخلا منهم وشحا.
وقوله ـ تعالى ـ (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) معطوف على (أَتَيا) أى : وبعد أن امتنع أهل القرية عن استضافتهما ، تجولا فيها (فَوَجَدا فِيها جِداراً) أى : بناء مرتفعا (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) أى : ينهدم ويسقط (فَأَقامَهُ) أى الخضر بأن سواه وأعاد إليه اعتداله ، أو بأن نقضه وأخذ في بنائه من جديد.
وهنا لم يتمالك موسى ـ عليهالسلام ـ مشاعره ، لأنه وجد نفسه أمام حالة متناقضة ، قوم بخلاء أشحاء لا يستحقون العون .. ورجل يتعب نفسه في إقامة حائط مائل لهم .. هلا طلب منهم أجرا على هذا العمل الشاق ، خصوصا وهما جائعان لا يجدان مأوى لهما في تلك القرية! لذا بادر موسى ـ عليهالسلام ـ ليقول للخضر : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً).
أى : هلا طلبت أجرا من هؤلاء البخلاء على هذا العمل ، حتى تنتفع به. وأنت تعلم أننا جائعان وهم لم يقدموا لنا حق الضيافة.
فالجملة الكريمة تحريض من موسى للخضر على أخذ الأجر على عمله ، ولوم له على ترك هذا الأجر مع أنهما في أشد الحاجة إليه.
وكان هذا التحريض من موسى للخضر ـ عليهماالسلام ـ هو نهاية المرافقة والمصاحبة بينهما ، ولذا قال الخضر لموسى : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) أى : هذا الذي قلته لي ، يجعلنا نفترق ، لأنك قد قلت لي قبل ذلك : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي) وها أنت تسألنى وتحرضنى على أخذ الأجر.
ومع ذلك فانتظر : سأنبئك ، قبل مفارقتي لك (بِتَأْوِيلِ) أى : بتفسير وبيان ما خفى عليك من الأمور الثلاثة التي لم تستطع عليها صبرا ، لأنك لم يكن عندك ما عندي من العلم بأسرارها الباطنة التي أطلعنى الله ـ تعالى ـ عليها.
ثم حكى القرآن الكريم ما قاله الخضر لموسى عليهماالسلام ـ في هذا الشأن فقال ـ تعالى ـ