قال الآلوسى : وقوله (لَعَمْرُكَ) قسم من الله ـ تعالى ـ بعمر نبينا صلىاللهعليهوسلم على ما عليه جمهور المفسرين. وأخرج البيهقي في الدلائل ، وأبو نعيم وابن مردويه وغيرهم عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : ما خلق الله ـ تعالى ـ وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلىاللهعليهوسلم وما سمعت الله ـ تعالى ـ أقسم بحياة أحد غيره ، قال ـ تعالى ـ : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) وقيل هو قسم من الملائكة بعمر لوط ـ عليهالسلام ـ ، وهو مع مخالفته للمأثور محتاج لتقدير القول ، أى. قالت الملائكة للوط ـ عليهالسلام ـ لعمرك .. وهو خلاف الأصل وإن كان سياق القصة شاهدا له وقرينة عليه ..» (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ القصة ببيان النهاية الأليمة لهؤلاء المفسدين من قوم لوط فقال ـ تعالى ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ).
والصيحة : من الصياح وهو الصوت الشديد. يقال : صاح فلان إذا رفع صوته بشدة. وأصل ذلك تشقيق الصوت من قولهم : انصاح الخشب أو الثوب ، إذا انشق فسمع منه صوت. قالوا : وكل شيء أهلك به قوم فهو صيحة وصاعقة.
(مُشْرِقِينَ) : اسم فاعل من أشرقوا إذا دخلوا في وقت شروق الشمس ، أى : أن الله ـ تعالى ـ بعد أن أخبر لوطا ـ عليهالسلام ـ بإهلاك قومه ، وأمره عن طريق الملائكة ـ بالخروج ومعه المؤمنون من هذه المدينة .. جاءت الصيحة الهائلة من السماء فأهلكتهم جميعا وهم داخلون في وقت شروق الشمس.
وقال ـ سبحانه ـ قبل ذلك : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) وقال هنا (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) للإشارة إلى أن ابتداء عذابهم كان عند الصباح وانتهاءه باستئصال شأفتهم كان مع وقت الشروق.
والضمير في قوله (عالِيَها سافِلَها) يعود إلى المدينة التي كان يسكنها المجرمون من قوم لوط.
أى : فجعلنا بقدرتنا عالى هذه المدينة سافلها ، بأن قلبناها قلبا كاملا (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) أى على هؤلاء المجرمين من قوم لوط (حِجارَةً) كائنة (مِنْ سِجِّيلٍ) أى من طين متحجر. فهلكوا جميعا.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٦٦.