«زنتا وزاعورا» وإطلاق لفظ البنات على البنتين لا يجوز ، لما ثبت أن أقل الجمع ثلاثة» (١).
والمعنى : أن لوطا ـ عليهالسلام ـ لما رأى هيجان قومه ، وإصرارهم على ارتكاب الفاحشة مع ضيوفه ، قال لهم على سبيل الإرشاد إلى ما يشبع الفطرة السليمة : يا قوم هؤلاء نساؤكم اللائي هن بمنزلة بناتي ، فاقضوا معهن شهوتكم إن كنتم فاعلين لما أرشدكم إليه من توجيهات وآداب.
وعبر بإن في قوله (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) لشكه في استجابتهم لما يدعوهم إليه فكأنه يقول لهم : إن كنتم فاعلين لما أطلبه منكم ، وما أظنكم تفعلونه لانتكاس فطرتكم ، وانقلاب أمزجتكم ..
وجواب الشرط محذوف ، أى : إن كنتم فاعلين ما أرشدكم إليه فهو خير لكم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) يرى جمهور المفسرين أنه كلام معترض بين أجزاء قصة لوط ـ عليهالسلام ـ مع قومه ، لبيان أن الموعظة لا تجدى مع القوم الغاوين ، ولتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من سفهاء قومه.
فالخطاب فيه للنبي صلىاللهعليهوسلم واللام في «لعمرك» لام القسم ، والمقسم به حياته صلىاللهعليهوسلم والعمر ـ بفتح العين ـ لغة في العمر ـ بضمها ، ومعناهما : مدة حياة الإنسان وبقائه في هذه الدنيا ، إلا أنهم ألزموا مفتوح العين في القسم ، وهو مبتدأ وخبره محذوف وجوبا والتقدير لعمرك قسمي أو يمينى.
والسكرة : ذهاب العقل ، مأخوذة من السكر ـ بفتح السين وإسكان الكاف ـ وهو السد والإغلاق. وأطلقت هنا على الغواية والضلالة لإزالتهما الرشد والهداية عن عقل الإنسان و (يَعْمَهُونَ) من العمه بمعنى التحير والتردد في الأمر. وهو للبصيرة بمنزلة العمى للبصر.
يقال : عمه فلان ـ كفرح ـ عمها ، إذا تردد وتحير ، فهو عمه وعامه ، وهم عمهون وعمه ـ كركع ـ والمعنى : بحق حياتك ـ أيها الرسول الكريم ـ إن هؤلاء المكذبين لك ، لفي غفلتهم وغوايتهم يترددون ويتحيرون ، شأنهم في ذلك شأن الضالين من قبلهم كقوم لوط وقوم شعيب وقوم صالح ، وغيرهم من المتكبرين في الأرض بغير الحق ..
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٨ ص ٣٢.