يقال : خزي الرجل يخزى خزيا وخزي ، إذا وقع في مصيبة فذل لذلك.
ولكن هذه النصائح الحكيمة من لوط ـ عليهالسلام ـ لقومه ، لم تجد أذنا صاغية ، بل قابلوها بسوء الأدب معه ، وبالتطاول عليه ، شأن الطغاة الفجرة (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ).
والاستفهام للإنكار. والواو للعطف على محذوف ، والعالمين : جمع عالم ، وهو كل موجود سوى الله ـ تعالى ـ والمراد بالعالمين هنا : الرجال الذين كانوا يأتون معهم الفاحشة من دون النساء.
أى : قال قوم لوط له بوقاحة وسوء أدب. أو لم يسبق لنا يا لوط أننا نهيناك عن أن تحول بيننا وبين من نريد ارتكاب الفاحشة معه من الرجال ، وإذا كان الأمر كذلك فكيف ساغ لك بعد هذا النهى أن تمنعنا عما نريده من ضيوفك وأنت تعلم ما نريده منهم؟
ولكن لوطا ـ عليهالسلام ـ مع شناعة قولهم هذا ، لم ييأس من محاولة منعهم عما يريدونه من ضيوفه ، فأخذ يرشدهم إلى ما تدعو إليه الفطرة السليمة فقال : (هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ).
والمراد ببناته هنا : زوجاتهم ونساؤهم اللائي يصلحن للزواج. وأضافهن إلى نفسه لأن كل نبي أب لأمته من حيث الشفقة والرعاية وحسن التربية.
قال ابن كثير ما ملخصه : يرشد لوطا ـ عليهالسلام ـ قومه إلى نسائهم فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد ، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم ، كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ. وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) (١).
وقيل المراد ببناته هنا : بناته من صلبه ، وأنه عرض عليهم الزواج بهن.
ويضعف هذا الرأى أن لوطا ـ عليهالسلام ـ كان له بنتان أو ثلاثة كما جاء في بعض الروايات ، وعدد المتدافعين من قومه إلى بيته كان كثيرا ، كما يرشد إليه قوله ـ تعالى ـ (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) فكيف تكفيهم بنتان أو ثلاثة للزواج بهن؟
قال الإمام الرازي في ترجيح الرأى الأول ما ملخصه : «وهذا القول عندي هو المختار ، ويدل عليه وجوه منها : أنه قال هؤلاء بناتي .. وبناته اللاتي من صلبه لا تكفى هذا الجمع العظيم ، أما نساء أمته ففيهم كفاية للكل ، ومنها : أنه صحت الرواية أنه كان له بنتان وهما :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٦٨.