ـ عليهالسلام ـ شبانا فيهم جمال ووضاءة فقال ـ تعالى ـ (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ).
والمراد بأهل المدينة : أهل مدينة سدوم التي كان يسكنها لوط وقومه.
ويستبشرون : أى يبشر بعضهم بعضا بأن هناك شبانا في بيت لوط ـ عليهالسلام ـ ، من الاستبشار وهو إظهار الفرح والسرور.
وهذا التعبير الذي صورته الآية الكريمة ، يدل دلالة واضحة على أن القوم قد وصلوا إلى الدرك الأسفل من الانتكاس والشذوذ وانعدام الحياء ...
إنهم لا يأتون لارتكاب المنكر فردا أو أفرادا ، وإنما يأتون جميعا ـ أهل المدينة ـ وفي فرح وسرور ، وفي الجهر والعلانية ، لا في السر والخفاء ...
ولأى غرض يأتون؟ إنهم يأتون لارتكاب الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين.
وهكذا النفوس عند ما ترتكس وتنتكس ، تصل في مجاهرتها بإتيان الفواحش ، إلى ما لم تصل إليه بعض الحيوانات ...
ويقف لوط ـ عليهالسلام ـ أمام شذوذ قومه مغيظا مكروبا ، يحاول أن يدفع عن ضيفه شرورهم ، كما يحاول أن يحرك فيهم ذرة من الآدمية فيقول لهم : (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ).
وتفضحون : من الفضح والفضيحة. يقال فضح فلان فلانا فضحا وفضيحة ، إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار بسببه.
أى : قال لوط ـ عليهالسلام ـ لمن جاءوا يهرعون إليه من قومه لارتكاب الفاحشة مع ضيوفه : يا قوم إن هؤلاء الموجودين عندي ضيوفى الذين يلزمني حمايتهم ، فابتعدوا عن دارى وعودوا إلى دياركم ، ولا تفضحون عندهم بتعرضكم لهم بالفاحشة فأهون في نظرهم ، لعجزى عن حمايتهم ، وأنتم تعلمون أن كرامة الضيف جزء من كرامة مضيفه ...
وعبر لوط ـ عليهالسلام ـ عن الملائكة بالضيف لأنه لم يكن قد علم أنهم ملائكة ولأنهم قد جاءوا إليه في هيئة الآدميين.
ثم أضاف لوط ـ عليهالسلام ـ إلى رجاء قومه رجاء آخر ، حيث ذكرهم بتقوى الله فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ).
أى : واتقوا الله وصونوا أنفسكم عن عذابه وغضبه ، ولا تخزون مع ضيفي ، وتذلونى وتهينونى أمامهم.