فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ. وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ ، إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١).
والضمير في قوله ـ سبحانه ـ (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) يعود إلى المدينة أو القرى التي كان يسكنها قوم لوط ـ عليهالسلام ـ.
أى : وإن هذه المساكن التي كان يسكنها هؤلاء المجرمون ، لبطريق ثابت واضح يسلكه الناس ، ويراه كل مجتاز له وهو في سفره من الحجاز إلى الشام ، كما قال ـ تعالى ـ (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٢).
والمقصود تذكير كفار قريش وغيرهم بعاقبة الظالمين ، حتى يقلعوا عن كفرهم وجحودهم ، وحتى يعتبروا ويتعظوا ، ويدخلوا مع الداخلين في دين الإسلام.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) تذييل قصد به التعميم بعد التخصيص ، لأن اسم الإشارة هنا يعود إلى جميع ما تقدم من قصتي إبراهيم ولوط ـ عليهماالسلام ـ وإلى ما انضم إليهما من التذكير بآثار الأقوام المهلكين.
أى : إن فيما ذكرناه فيما سبق من أدلة واضحة على حسن عاقبة المتقين ، وسوء نهاية الظالمين ، لعبرة واضحة ، وحكمة بالغة ، للمؤمنين الصادقين.
وخصهم بالذكر لأنهم هم المنتفعون بالأدلة والعظات ، وللتنبيه على أن التفرس في الأمور لمعرفة أسبابها ونتائجها من صفاتهم وحدهم.
وجمع الآيات قبل ذلك في قوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) وأفردها هنا فقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) للأشعار بأن المؤمنين الصادقين تكفى لهدايتهم ، ولزيادة إيمانهم ، آية واحدة من الآيات. الدالة على أن دين الإسلام هو الدين الحق ، وفي ذلك ما فيه من الثناء عليهم ، والمدح لهم ، بصدق الإيمان ، وسلامة اليقين ...
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا من قصة أصحاب الأيكة لزيادة العظات والعبر ، فقال ـ تعالى ـ : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ. فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) و (إِنْ) هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن المحذوف.
وأصحاب الأيكة ، هم قوم شعيب ـ عليهالسلام ـ ، والأيك الشجر الكثير الملتف واحدته أيكة ـ كتمر وتمره ـ.
__________________
(١) سورة يوسف الآيتان ١٠٥ ، ١٠٦.
(٢) سورة الصافات الآيتان ١٣٧ ، ١٣٨.