والمراد بها البقعة الكثيرة الأشجار التي كانت فيها مساكنهم ، قرب مدين قرية شعيب ـ عليهالسلام ـ.
وجمهور العلماء على أن أهل مدين وأصحاب الأيكة قبيلة واحدة ، وأرسل الله ـ تعالى ـ إليهم جميعا شعيبا ـ عليهالسلام ـ لأمرهم بإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ ، ونهيهم عن تطفيف الكبل والميزان ، وعن قطع الطريق ...
وكانوا جميعا يسكنون في المنطقة التي تسمى بمعّان ، على حدود الحجاز والشام ، أو أن بعضهم كان يسكن الحاضرة وهم أهل مدين ، والبعض الآخر كان يسكن في البوادي المجاورة لها والمليئة بالأشجار.
وقيل : إن شعيبا ـ عليهالسلام ـ أرسل إلى أمتين : أهل مدين ، وأصحاب الأيكة ، وهذه خصوصية له ـ عليهالسلام ـ.
وعلى أية حال فالعلماء متفقون على أن أصحاب الأيكة هم قوم شعيب ـ عليهالسلام ـ.
والإمام : الطريق الواضح المعالم. وسمى الطريق إماما لأن المسافر يأتم به ، ويهتدى بمسالكه ، حتى يصل إلى الموضع الذي يريده.
والمعنى : وإن الشأن والحال أن أصحاب الأيكة كانوا ظالمين متجاوزين لكل حد ، فاقتضت عدالتنا أن ننتقم منهم ، بسبب كفرهم وفجورهم.
(وَإِنَّهُما) أى مساكن قوم لوط ، ومساكن قوم شعيب (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) أى : لبطريق واضح يأتم به أهل مكة في سفرهم من بلادهم إلى بلاد الشام.
قال ابن كثير : وقد كانوا ـ أى أصحاب الأيكة ـ قريبا من قوم لوط ، بعدهم في الزمان ، ومسامتين لهم في المكان ، ولهذا لما أنذر شعيب قومه قال في إنذاره لهم (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (١).
ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن قصص الأنبياء مع أقوامهم بجانب من قصة صالح ـ عليهالسلام ـ مع قومه. فقال ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) ...
وأصحاب الحجر : هم ثمود قوم صالح ـ عليهالسلام ـ.
والحجر : واد بين الشام والمدينة المنورة ، كان قوم صالح يسكنونه. والحجر في الأصل :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٩٢.