كل مكان أحاطت به الحجارة ، أو كل مكان محجور أى ممنوع من الناس بسبب اختصاص بعضهم به.
وما زال هذا المكان يعرف إلى الآن باسم مدائن صالح على الطريق من خيبر إلى تبوك ، كما أشرنا إلى ذلك عند التعريف بالسورة الكريمة.
وقال ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولهم ـ عليهالسلام ـ ، لأن تكذيب رسول واحد ، تكذيب لجميع الرسل ، حيث إن رسالتهم واحدة ، وهي الأمر بإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده ، والدعوة إلى مكارم الأخلاق ، والنهى عن الرذائل والمفاسد.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظاهر هذا التكذيب لرسولهم ـ عليهالسلام ـ فقال : (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ).
أى : وأعطينا قوم صالح ـ عليهالسلام ـ آياتنا الدالة على صدقه وعلى أنه رسول من عندنا ، والتي من بينها الناقة التي أخرجها الله ـ تعالى ـ لهم ببركة دعاء نبيهم (فَكانُوا عَنْها) أى عن هذه الآيات الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا (مُعْرِضِينَ) لا يلتفتون إليها ، ولا يفكرون فيها ، ولهذا عقروا الناقة (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر حضارتهم وتحصنهم في بيوتهم المنحوتة في الجبال فقال ـ تعالى ـ (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ).
وينحتون : من النحت وهو برى الحجر من وسطه أو جوانبه ، لإعداده للبناء أو للسكن أى : وكانوا لقوتهم وغناهم يتخذون لأنفسهم بيوتا في بطون الجبال وهم آمنون مطمئنون ، أو يقطعون الصخر منها ليتخذوه بيوتا لهم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) (١) ، أى : حاذقين في نحتها. وقوله ـ تعالى ـ (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) (٢).
قال ابن كثير : ذكر ـ تعالى ـ أنهم (كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) أى : من
__________________
(١) سورة الشعراء الآية ١٤٩.
(٢) سورة الأعراف الآية ٧٤.