والمراد بالساعة في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) ساعة البعث والحساب والثواب والعقاب في الآخرة.
أى : وإن ساعة إعطاء كل ذي حق حقه ، ومعاقبة كل ذي باطل على باطله ، لآتية لا ريب فيها ، فمن فاته أخذ حقه في الدنيا فسيأخذه وافيا غير منقوص في الآخرة ، ومن أفلت من عقوبة الدنيا فسينال ما هو أشد وأخزى منها في يوم الحساب.
فالجملة الكريمة انتقال من تهديد المجرمين بعذاب الدنيا ، إلى تهديدهم بعذاب الآخرة ، والمقصود من ذلك تسليته صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من المكذبين من أذى.
وأكد ـ سبحانه ـ هذه الجملة بإن وبلام التوكيد ، ليدل على أن الساعة آتية لا محالة ، وليخرس ألسنة الذين ينكرون وقوعها وحدوثها ...
وجملة (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) تفريع على ما قبلها.
والصفح الجميل : ترك المؤاخذة على الذنب ، وإغضاء الطرف عن مرتكبه بدون معاتبة.
أى : ما دام الأمر كما ذكرنا لك أيها الرسول الكريم ـ من أن هذا الكون قد خلقناه بالحق ، ومن أن الساعة آتية لا ريب فيها ... فاصفح عن هؤلاء المكذبين لك صفحا جميلا ، لا عتاب معه ولا حزن ولا غضب ... حتى يحكم الله بينك وبينهم.
وهذا التعبير فيه ما فيه من تسليته صلىاللهعليهوسلم وتكريمه ، لأنه ـ سبحانه ـ أمره بالصفح الجميل عن أعدائه ، ومن شأن الذي يصفح عن غيره ، أن يكون أقوى وأعز من هذا الغير ـ فكأنه ـ سبحانه ـ يقول له : اصفح عنهم فعما قريب ستكون لك الكلمة العليا عليهم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (... فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) تعليل للأمر بالصفح الجميل عنهم.
والخلاق والعليم : صيغتا مبالغة من الخلق والعلم ، للدلالة على كثرة خلقه ، وشمول علمه.
__________________
(١) سورة الزخرف الآية ٨٩.
(٢) سورة البقرة الآية ١٠٩.