أى : (إِنَّ رَبَّكَ) أيها الرسول الكريم ، الذي رباك برعايته وعنايته ، واختارك لحمل رسالته (هُوَ) ـ سبحانه ـ (الْخَلَّاقُ) لك ولهم ولكل شيء في هذا الوجود.
(الْعَلِيمُ) بأحوالك وبأحوالهم ، وبما يصلح لك ولهم ولكل الكائنات.
وقد علم ـ سبحانه ـ أن الصفح عنهم في هذا الوقت فيه المنفعة لك ولهم ، فحقيق بك ـ أيها الرسول الكريم ـ أن تطيعه ـ سبحانه ـ ، وأن تكل الأمور إليه.
ولقد تحقق الخير من وراء هذا التوجيه السديد من الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم فقد نرتب على هذا الصفح : النصر للنبي صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ، والهداية لبعض الكافرين وهم الذين دخلوا في الإسلام بعد نزول هذه الآية ، وصاروا قوة للدعوة الإسلامية بعد أن كانوا حربا عليها ، وتحقق ـ أيضا ـ قوله صلىاللهعليهوسلم : «لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ـ عزوجل ـ».
ثم أتبع ـ سبحانه ـ هذه التسلية والبشارة للرسول صلىاللهعليهوسلم ، بمنة ونعمة أجل وأعظم من كل ما سواها ، ليزيده اطمئنانا وثقة بوعد الله ـ تعالى ـ فقال : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).
والمراد بالسبع المثاني : صورة الفاتحة. وسميت بذلك ، لأنها سبع آيات ، ولأنها تثنى أى تكرر في كل ركعة من ركعات الصلاة.
قال صاحب الكشاف : والمثاني من التثنية وهي التكرير للشيء ، لأن الفاتحة تكرر قراءتها في الصلاة. أو من الثناء ، لاشتمالها على ما هو ثناء على الله ـ تعالى ـ ...» (١).
والمعنى : ولقد أعطيناك ـ أيها الرسول الكريم ـ سورة الفاتحة التي هي سبع آيات ، والتي تعاد قراءتها في كل ركعة من ركعات الصلاة ، وأعطيناك ـ أيضا ـ القرآن العظيم الذي يهدى للطريق التي هي أقوم.
وأوثر فعل (آتَيْناكَ) بمعنى أعطيناك على أوحينا إليك ، أو أنزلنا عليك ؛ لأن الإعطاء أظهر في الإكرام والإنعام.
وقوله (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) معطوف على (سَبْعاً) من باب عطف الكل على الجزء ، اعتناء بهذا الجزء.
ووصف ـ سبحانه ـ القرآن بأنه عظيم ، تنويها بشأنه ، وإعلاء لقدره.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٩٧.