والقدر المعلوم أنهم طبقة لهم قوة وشوكة ورئاسة ، لأن أمثالهم هم الذين يقدرون على إظهار مثل هذه السفاهة ، مع مثل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في علو قدره ، وعظم منصبه ، ودل القرآن على أن الله ـ تعالى ـ أفناهم وأبادهم وأزال كيدهم» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هؤلاء المستهزئين قد أضافوا إلى ذلك الشرك والكفر فقال : (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) في عباداتهم وفي عقيدتهم.
(فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ما يترتب على ذلك في الآخرة من عذاب شديد لهم ، بعد أن أهلكناهم في الدنيا وقطعنا دابرهم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بتسلية أخرى له صلىاللهعليهوسلم ، وبإرشاده إلى ما يزيل همه. ويشرح صدره ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
وضيق الصدر : كناية عن كدر النفس ، وتعرضها للهموم والأحزان.
أى : ولقد نعلم ـ أيها الرسول الكريم ـ أن أقوال المشركين الباطلة فيك وفيما جئت به من عندنا ، تحزن نفسك ، وتكدر خاطرك.
وقال ـ سبحانه ـ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ ..) بلام القسم وحرف التحقيق ، لتأكيد الخبر ، وإظهار مزيد الاهتمام والعناية بالمخبر عنه صلىاللهعليهوسلم في الحال والاستقبال.
والفاء في قوله (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ...) واقعة في جواب شرط.
والتسبيح لله ـ تعالى ـ معناه : تنزيهه ـ عزوجل ـ عن كل ما لا يليق به.
والتحميد له ـ تعالى ـ معناه : الثناء عليه بما هو أهله من صفات الكمال والجلال.
أى : إن ضاق صدرك ـ أيها الرسول الكريم ـ بسبب أقوال المشركين القبيحة ، فافزع إلينا بالتسبيح والتحميد ، بأن تكثر من قول سبحان الله ، والحمد لله.
قال بعض العلماء : فهذه الجملة الكريمة قد اشتملت على الثناء على الله بكل كمال ؛ لأن الكمال يكون بأمرين :
أحدهما : التخلي عن الرذائل ، والتنزه عما لا يليق ، هذا معنى التسبيح.
والثاني : التحلي بالفضائل ، والاتصاف بصفات الكمال ، وهذا معنى الحمد.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ٢١٥.