حتى يزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، ويشكروا الله ـ تعالى ـ على توفيقه إياهم إلى الدخول في الإسلام.
لقد ذكرت السورة الكريمة ألوانا متعددة من جهالات الكافرين ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ ، تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ. وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ).
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ ، وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ).
(ح) هكذا تصور سورة النحل ما كان عليه المشركون من غباء وغفلة وسوء تفكير ، ثم تعود ـ سورة النعم ـ مرة أخرى إلى الحديث عن نعم الله ـ تعالى ـ على عباده ، فتتحدث عن نعمة الكتاب ، وعن نعمة الماء ، وعن نعمة الأنعام ، وعن نعمة الثمار والفواكه ، وعن نعمة العسل المتخذ من بطون النحل وعن نعمة التفاضل في الأرزاق ، وعن نعمة الأزواج والبنين والحفدة.
قال ـ تعالى ـ : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً ، نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ).
إلى أن يقول ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ، أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ).
(ط) ثم تسوق السورة الكريمة مثلين مشتملين على الفرق الشاسع ، بين المؤمن والكافر ، وبين الإله الحق والآلهة الباطلة ، فتقول : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ، وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً ، هَلْ يَسْتَوُونَ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ، وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
(ى) وبعد إيراد هذين المثلين البليغين ، تعود سورة النعم إلى الحديث عن أنواع أخرى من نعم الله على خلقه ، لكي يشكروه عليها ، ويستعملوها فيما خلقت له فتتحدث عن نعمة إخراج الإنسان من بطن أمه ، وعن نعمة البيوت التي هي محل سكن الإنسان ، وعن نعمة الظلال ، وعن نعمة الجبال ، وعن نعمة الثياب.