والمثل الإنسانية وارتكب تلك الجناية الشنيعة كما تقول الآية (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١).
أجل لقد أصبح من الخاسرين في الدنيا والآخرة ، فقد خسر اخوه وخسر نعمة الأمن والاستقرار النفسي والهدوء الروحي ، لأن القاتل لو بقيت له ذرة من الوجدان فسوف يعيش عذاب الوجدان باستمرار ولا يجد طعم الهدوء والراحة في الدنيا ، وكذلك حاله في الآخرة حيث يستقر في جهنم وبئس المصير.
وقد ورد في الروايات انه قتل أخاه وهو نائم (٢) ، وتُعد هذه جناية مضاعفة تدلّ على أنّ الحسد إذا ما استعر في قلب الإنسان فسوف يحول كلّ نعيم إلى رماد تذروه الرياح.
ولكنّ قابيل ندم بسرعة على فعلته الشنيعة وملكهُ الحزن العميق ، وكلّما نظر إلى جسد أخيه الدامي سرت في نفسه قشعريرة وتملكه الخوف والقلق ، فما كان منه إلّا أن حمل جسد أخيه ولم يعلم ما يصنع به واين يذهب به بحيث يغطي على آثار جنايته؟ مضافاً إلى أنّ هذا المنظر الموحش يقلقه ويزعجه فلم يكن يدري ما يصنع في هذه اللحظة ، وعلى رغم جنايته العظيمة وذنبه الكبير فإنّ لطف الله قد شمله كما تقول الآية (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)(٣).
وقد جاء في بعض الروايات أنّ قابيل رأى أمام عينه غرابين يتقاتلان فقتل أحدهما الآخر ثمّ حفر له حفرة في الأرض ودفن فيها جسد الغراب المقتول.
وقال بعض إن غراباً جاء بجسد غراب ميت ودفنه ، وقيل أيضاً أنّ قابيل رأى غراباً يدفن بعض المواد الغذائية ليحفظها كما هو ديدن الغربان فتعلم من ذلك دفن الموتى (٤).
__________________
١ ـ سورة المائدة ، الآية ٣٠.
٢ ـ تفسير القرطبي ، ج ٣ ، ص ٢١٣٣.
٣ ـ سورة المائدة ، الآية ٣١.
٤ ـ نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٦١٦.