وعلى أيّة حال فقد ندم قابيل بشدة ولكن ندمه لم يكن مستقراً ومن موقع التوبة والانابة إلى الله تعالى حتّى يكون من شأنه تطهيره من الذنوب.
وهنا يطرح سؤالان ، الأوّل : ما المقصود من «القربان» في قوله تعالى «إذ قرّبا قرباناً»؟ والآخر : هو انه من اين عَلِما أنّ الله تعالى تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل؟
ولم يرد في القرآن الكريم ما يشير إلى جواب عن هذين السؤالين ، واما الروايات فهي مختلفة على مستوى السند أو المتن والدلالة ، ولكن ما يتطابق مع المنطق والعقل ويتلائم مع القرائن الموجودة هو ما ورد في الرواية عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام جعلت فداك إن الناس يزعمون أنّ آدم زوج ابنته من ابنه؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «قد قال الناس في ذلك ولكن يا سليمان أما علمت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : لو علمت أنّ آدم زوج ابنته من ابنه لزوجت زينب من القاسم ، وما كنت لارغب عن دين آدم. فقلت جعلت فداك إنهم يزعمون أنّ قابيل إنما قتل هابيل لأنهما تغايرا على اختهما ، فقال له : يا سليمان تقول هذا! أما تستحيي أنّ تروي هذا على نبي الله آدم؟ فقلت : جعلت فداك فبم قتل قابيل هابيل؟ فقال : في الوصية ثم قال لي : يا سليمان أنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية واسم الله الأعظم إلى هابيل ، وكان قابيل أكبر منه ، فبلغ ذلك قابيل ، فغضب فقال : أنا أولى بالكرامة والوصية. فأمرهما أن يقربا قرباناً بوحي من الله إليه ، ففعلا فقبل الله قربان هابيل فحسده قابيل فقتله» (١).
وعلى أيّة حال فإنّ قابيل وجد نفسه في مفترق طريقين لإنهاء حالة القلق والاضطراب الّتي يعيش فيها : أحدهما التوبة إلى الله تعالى والسعي لجبران ما صدر منه من الاثم بالعمل الصالح والخالص والتحرك في خط التقوى والاستقامة والانفتاح على الله (وهو العمل الّذي يسمّيه علماء الأخلاق ب «الغبطة» وهي حالة ممدوحة وبناءة) ولكن قابيل اختار الطريق الآخر ، أي السعي لإزالة النعمة من أخيه ، وبذلك أوقع نفسه في أسوء طريق وانتخب أشنع وسيلة بذلك وتلوثت يده بدم أخيه البريء ليطفىء نار الحسد في قلبه.
__________________
١ ـ نور الثقلين ، ج ١ ص ٦١٠ ، ح ١٢٥.