مستقبله الزاهر أم لا؟
لا نعلم بذلك على وجه الدقة ، ولو أنّهم كانوا قد علموا بذلك لكانت هذه بمثابة البذرة الثانية لحالة (الحسد) الّتي اعتمرت قلوبهم ، ولكن على أيّة حال فإنّ الأب كان يعلم انه إذا علم الاخوة بمضمون هذه الرؤيا العجيبة فانهم سوف يتحركون ضد أخيهم يوسف من موقع العداوة والخصومة ، ولهذا أصرّ عليه بكتمان هذا الخبر عنهم.
وجاء في بعض الروايات أنّ يعقوب ومن فرط فرحه وسروره بهذه الرؤيا قد أخبر زوجته بذلك على أساس انها تكتم الخبر ، ولكن بما أنّ السر إذا تجاوز الاثنين فشا ، فإنّ هذه الحكاية انتشرت وعلم بها اخوة يوسف ، وجاء في رواية اخرى أنّ يوسف لم يستطع كتمان خبر هذه الرؤيا ، (فتصوّر أن نهي أبيه هو نهي ارشادي لا نهي تحريمي) فعند ما علم اخوته بخبر الرؤيا قالوا أنّ يوسف يطمح أن يكون ملكاً (١).
ولكن إذا لم يعلم الاخوة بخبر الرؤيا فانهم على الأقل كانوا يرون تعامل أبيهم مع يوسف وسلوكه الّذي ينبىء عن عظيم حبّه له وخاصة انه كان بقية امّه راحيل الّتي ماتت وهو في طفولته.
القرآن الكريم يقول في هذا الصدد (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢).
وبهذه الصورة اصدروا حكمهم بضلالة أبيهم ، وبعد ذلك صمّموا على رفع هذا المانع الكبير ، أي يوسف ، من طريقهم ليبقى لهم حبّ أبيهم ومودّته ، وضمن البحث في (جلسة شيطانية) قرروا ما يلي (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ)(٣).
وكما نعلم انه لم يتم لهم قتل أخيهم يوسف بل قد توسّط أحد الاخوة في ذلك وتم القرار
__________________
١ ـ تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٢٤٣٣ ، تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج ٦ ، ص ٣٤١.
٢ ـ سورة يوسف ، الآية ٨.
٣ ـ سورة يوسف ، الآية ٩.