بإبعاده إلى أرض بعيدة ومنطقة نائية ، وبالرغم من أنّ هذا النفي والتبعيد ليوسف قد سبّب الحزن الشديد لأبيه يعقوب بحيث ابيضّت عيناه من الحزن وصار بصيراً من كثرة البكاء ، ولكن هذا العمل وعلى خلاف توقع الاخوة اصبح مقدمة لينال يوسف مقام القدرة والسلطنة على بلاد مصر الّتي كانت تعتبر من أعظم البلدان في ذلك الزمان وكذلك لم يحظوا بحبّ أبيهم أيضاً.
أجل فإنّ الامواج الخطيرة للحسد قوية وعظيمة إلى درجة أنّها دفعت الاخوة إلى قتل أخيهم وتسبّبت في أن يحملوا أوزاراً كبيرة اخرى منها الكذب وكتمان الجريمة ونسبت أبيهم إلى الضلالة واهانة نبي من الأنبياء وأمثال ذلك.
«الآية الثالثة» تشير إلى قصة اليهود وتتحدث عن سلوكياتهم الذميمة ، ونعلم أنّ طائفة عظيمة من بني إسرائيل قد قرأوا علامات النبي في آخر الزمان ومنطقة ظهوره ، فرحلوا من (الشامات) إلى (المدينة) ليحظوا بصحبة ذلك النبي ويؤمنوا به ، ولذلك كانوا ينتظرونه دائماً.
ولكن بعد ظهور هذا النبي فإنّ الكثير منهم لم يبقوا على تعهدهم والتزامهم المسبق بحمايته ونصرته والإيمان به ، بل أصبحوا في صف المخالفين له والمحاربين لدعوته ، والسبب الأهم في ذلك هو عنصر «الحسد» والآخر هو ما توهموا من وقوع منافعهم ومصالحهم في الخطر.
القرآن الكريم يتحدّث لنا عن هذه الحالة لليهود فيقول (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)(١).
أجل فإنّ المشيئة الإلهية قد تعلقت في أن يملك آل إبراهيم والّذين كان اليهود من ذريتهم وأن تكون لهم النبوة والعلم ، ولكن المشيئة الإلهية قررت في زمان لاحق أن تتعلق النبوة والعلم بمحمّد وآله الكرام وكلّ ذلك وفقاً للمصالح الّتي تتعلق بها المشيئة الإلهية ، فهل أنّ اليهود كانوا يقبلون أن يحسدهم الناس على ما آتاهم الله من فضله في الزمان السالف؟
__________________
١ ـ سورة النساء ، الآية ٥٤.