«الآية الخامسة» تخاطب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله مشيرةً إلى الكفّار والمشركين وتقول (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(١).
أجل أنّ هؤلاء مثلهم كمثل الدواب والأنعام لا يفهمون من الحياة الدنيا سوى المأكل والمشرب والتمتع بإشباع الشهوات البدنية ، وعليه فهم أضل من الأنعام واسوأ حالاً بسبب أنّهم يعيشون طول الأمل في حياتهم وأفكارهم بحيث إن طول الأمل هذا يمنعهم من التفكير بمستقبلهم وما ينتظرهم في الغد حتى ينشب الموت مخالبه في أرواحهم.
وهنا نجد أنّ الآية توضح الأثر السلبي للآمال الطويلة على حياة الإنسان وتبين إلى أيّة درجة تجعل هذه الآمال الإنسان مشغولاً بنفسه ودنياه وغافلاً عن الله تعالى.
وجملة (ذرهم) تبين بوضوح انه لا أمل في هداية هؤلاء وإلّا فإنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله في الأصل مأمورٌ بهداية جميع الناس فلا معنى لأن يتركهم مع احتمال الهداية فيهم.
وكيف يصحّ توقّع الهداية من طائفة من الناس في حين أنّ هدفها النهائي في حركة الحياة هو الأكل والشرب والنوم والحياة في الدنيا كما تعيش الحيوانات ، لأن هذه الآمال الطويلة لا تدعهم يفكرون لحظة في نهاية هذه الحياة وخالقها والواهب لكلّ هذه المواهب في عالم الوجود وما هي الغاية من هذا الخلق العظيم؟
«الآية السادسة» من الآيات مورد البحث والتي تشير إلى هذه الحقيقة ، وهي انّ الآمال الطويلة الّتي لا يحصل عليها الإنسان غالباً تحيط بالإنسان وتؤسر جميع امكاناته وقابلياته وتحجزه عن سلوك طريق السعادة وبالتالي ستمنعه من سلوك طريق الكمال المعنوي والإنساني وتقول : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى)(٢).
وهذا الاستفهام في الحقيقة هو نوع من الاستفهام الإنكاري ، فكيف يمكن أن يعيش الإنسان كلّ هذه الآمال والتمنيات وينالها ويصل إلى مقاصده في حين أنّ طول هذه الآمال
__________________
١ ـ سورة الحجر ، الآية ٣.
٢ ـ سورة النجم ، الآية ٤.