وبديهي أنّ من العوامل المهمة لانتصار المسلمين في صدر الإسلام هو الإيمان واليقين الراسخ بالإضافة إلى عدم اهتمامهم بزخارف الدنيا وبريقها ، حيث تسبب ذلك في أن يرد المسلمون الأوائل إلى ميدان القتال والجهاد بشجاعة فائقة وشوق بالغ فلم يكونوا يرون إلّا الله تعالى ولا يتحركون إلّا في خط الطاعة والتقوى ولا يديرون ظهورهم إلى الأعداء من موقع الهزيمة والتخاذل.
ولكن عند ما امتدت إليهم الآمال الطويلة وملكتهم العلائق الدنيوية وخدعتهم ظواهر الدنيا حلّ الشك والترديد محلّ اليقين ، والشغف بأُمور الدنيا محلّ الزهد ، وبدءوا يتراجعون أمام أعدائهم ويسلكون سبيل التخلف والانحطاط الحضاري والثقافي ، فلا سبيل لهم اليوم لتجديد عظمتهم الاولى سوى احياء تيْنَك الأصلين الرئيسيّين.
٥ ـ وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «الْامَلُ سُلْطَانُ الشَّيَاطِينِ عَلَى قُلُوبِ الْغَافِلِينَ» (١).
٦ ـ وجاء في حديث آخر عن هذا الإمام أيضاً انه وصف مثل هؤلاء الأشخاص بعنوان شرّ الناس وقال : «شَرُّ النَّاسِ الطَّوِيلُ الْامَلِ ، السَّيّىءُ الْعَمَلِ» (٢).
وكذلك ورد في حديث آخر عن هذا الإمام أيضاً قوله : «انَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى امَلِهِ فَيَقْطَعُهُ حُضُورُ اجَلِهِ ، فَسُبْحَانَ اللهِ لَا امَلٌ يُدْرَكُ وَلَا مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ» (٣).
٧ ـ وفي حديث شريف عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «اشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى» (٤).
لأن التمنيات الطويلة والعريضة تتسبّب في أن يعيش الإنسان الحاجة والفقر في نفسه دائماً ويمدّ يده في سبيل إشباع هذه الحاجة إلى أيّ شخص وبذلك يحقق شخصيته ويسحق حيثيّته الإنسانية من أجل هدف لن يصل إليه أبداً.
__________________
١ ـ تصنيف غرر الحكم ، ص ٣١٢.
٢ ـ المصدر السابق.
٣ ـ غرر الحكم ، ص ٣١٣.
٤ ـ نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة ٣٤ و ٢١١.