والخِبرة ليقتبس منهم (كما في رجوع المرضى إلى الأطباء في الأمراض المختلفة) وهذه المسألة تُعد من الاسس والدعائم للحياة الفردية والاجتماعية للإنسان.
وتوضيح ذلك : أنّ العلوم والفنون والمعارف البشرية إلى درجة من السعة والكثرة بحيث إنّ كلّ واحد من البشر لا يمكنه الإحاطة بها جميعاً ، وقد كان هذا الحال من قديم الأيّام وقد تجلّى هذا المعنى أكثر في عصرنا الحاضر حيث تشعّبت العلوم والمعارف وتطوّرت بشكل كبير جدّاً بحيث إنّ كلّ إنسان لا يستطيع حتّى في الإحاطة بجميع فروع علم واحد من العلوم كالطب مثلاً أو الهندسة فكيف الحال بالعلوم الاخرى؟
ومع هذا الحال فلا مفر أمام الناس إلّا بأن يرجع الجاهل منهم إلى العالم ، وهذا أصل مسلّم في حركة الحياة وقد بنيت عليه سيرة العقلاء في جميع العالم ، والسير بخلاف هذا المنهج يؤدي قطعاً إلى تخلخل مفاصل المجتمع واهتزاز أركانه وبالتالي انحطاطه الحضاري والثقافي.
وهكذا الحال في المسائل المعنوية والأخلاقية والعلوم الدينية ، فلا يمكن أن يتوقع من جميع الناس أن يكونوا أصحاب فكر واجتهاد في جميع العلوم والمعارف الإسلامية ، فبعض هذه الفروع العلمية إلى درجة من السعة بحيث تحتاج لدراستها والإحاطة بها إلى خمسين سنة من البحث والتحقيق (من قبيل علم الفقه).
فمن الطبيعي أن يرجع الأشخاص المنشغلين عن هذه العلوم والجاهلين بها إلى العالم والخبير بها ، ولكن بالنسبة إلى اصول الدين والعقائد المذهبية الّتي تشكّل دعائم المنظومة في الفكر الديني فإنّ على كلّ إنسان أن يحيط بها بمقدار ما يمكنه ذلك منها ولا يقبل من العقائد إلّا ما كان مستنداً إلى دليل وبرهان ، فالتقليد في مثل هذه الامور غير جائز ، بل لا بدّ من التحقيق والفحص وعدم قبول المعتقدات الدينية الأساسية إلّا عن دليل وبرهان.
وعلى أيّة حال فإنّ مثل هذا التقليد لا يُعد من القسم المذموم ولا يدخل في دائرة التقليد السلبي بل هو مصداق قوله تعالى : (... فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١). وليس من
__________________
١ ـ سورة النحل ، الآية ٤٣.