وقد عبّرت الآيات الكريمة عن ذلك بقولها : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ)(١).
وفي الواقع فإنّ الله تعالى قد وهب لإبراهيم مؤهّلات كثيرة تمنحه القدرة على تحمّل تلك المسؤولية العظيمة والاستفادة من هذه المواهب والقابليات في خطّ تقوية دعائم الإيمان والتوحيد والتصدّي للعامل الأساس في شقاء البشرية ، أي عبادة الأصنام والأوثان ، وكما سيأتي في سياق هذه الآيات الشريفة أنّ إبراهيم ابتدأ أوّلاً بدعوة عمّه آزر للإيمان بصراحة اللهجة وتمام القوّة وقال له : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ).
وعند ما أجابه آزر بالقول : (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ).
فأجابه إبراهيم عليهالسلام : (قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
إنّ آزر لم يكن يصدّق لحدّ الآن أنّ إبراهيم سوف يتصدى بهذه الصراحة والجدّية لمقاومة هذه الأصنام الّتي يعبدها الجميع ولذلك سأله : (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ).
ولكن إبراهيم عليهالسلام أجابه أنّه جادٌّ في كلامه هذا وقال : (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).
ثمّ أضاف : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)(٢).
وهكذا ترجم إبراهيم عليهالسلام قوله في ميدان العمل بعد أن استغلّ الفرصة المناسبة لذلك ، فكسّر الأصنام جميعها إلّا الصنم الأكبر لعلّهم يثوبون إلى رُشدهم أو يرجعون الى الصنم الاكبر المسبب لهذه الحادثة ليسألوه كما تقول الآية : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)(٣).
وهناك اختلاف بين المفسّرين في مرجع الضمير في قوله (إليه) في ذيل الآية ، وقد أورد
__________________
١ ـ سورة الأنبياء ، الآية ٥١.
٢ ـ سورة الأنبياء ، الآية ٥٧.
٣ ـ سورة الأنبياء ، الآية ٥٨.