الشر في واقع الإنسان في حين أنّ الشجاعة تسترفد مقوماتها من عنصر الإيمان وتعدّ من معطياته وثماره ، لأن المؤمن وبالتوكل على الله القادر المطلق يرى نفسه منتصراً في جميع الميادين. أما الأشخاص الّذين يعيشون الاهتزاز في إيمانهم ويعتمدون على قدراتهم الذاتية فإنّهم منهزمون على أية حال لما يروا من محدودية قدراتهم وهزال امكاناتهم ، ولذا يستولي عليهم الخوف والاضطراب أمام تحديات الواقع ومشكلاته المتزايدة.
لقد تكاتفت قوى الشر والانحراف في واقعة «حمراء الأسد» لإظهار قوّة جيش قريش وتفخيمها بأكبر حجم لإخافة المؤمنين والقاء الرعب في قلوبهم ، إلّا أنّ القرآن الكريم يقرر أنّ أولياء الشيطان واتباعه هم الّذين يتأثرون بهذه المظاهر الخدّاعة ، بينما يعيش أولياء الله الثبات والاستقامة في خط الحقّ والرسالة (١).
وتنطلق «الآية السابعة» والأخيرة من الآيات مورد البحث للتذكير بهذه الحقيقة ، وهي أنّ إحدى صفات المبلّغين الرساليين هي طهارتهم من رذيلة الجبن والخوف من غير الله تعالى ، وتقول : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً)(٢).
إن تبليغ الرسالة الإلهية من أهم وظائف الأنبياء والمرسلين ، وهذا لا يتسنى إلّا بخلو النفس من أية شائبة من شوائب الخوف والجبن والتردد.
هذه الآية الشريفة الناظرة إلى الأنبياء الماضين تحذّر النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بالدرجة الاولى ، واتباعه المخلصين بالدرجة الثانية من مغبة الشعور بالخوف والتردد حين إبلاغ الرسالات السماوية وأنّ عليهم أن لا يخشون أحداً إلّا الله تعالى ، ومفهوم هذا الخطاب
__________________
١ ـ هناك تفسيران لجملة «إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه» بين المفسرين ، فبعضهم ذهب إلى أنّ «أولياء» فاعل ـ أو بمنزلة الفاعل على تقدير من أوليائه ـ وطبقاً لهذا التفسير فإنّ أولياء الشيطان هم الّذين يقومون بعملية التخويف والتهديد للناس ، في حين أنّ التفسير الآخر يرى أنّ «أولياء» مفعول به كما هو الظاهر من جو الآية الشريفة والمطابق للقراءة المشهورة ، حيث يكون معنى الآية ، «إن الشيطان قادر على تخويف اتباعه فقط من المنافقين وأمثالهم وليس له قدرة على تخويف المؤمنين».
٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية ٣٩.