قريش إلى مرارة ، وبيّنت لهم أنّ المسلمين بالرغم من هزيمتهم بسبب زيغ جماعة منهم ، إلّا أنّهم ما زالوا ثابتين في الميدان وأنّ على العدو أن يتوقع ضربات المسلمين في المستقبل.
وبهذا أثرت هذه الواقعة ليس فقط في التصدي إلى هجوم الأعداء ودفع الخطر ، بل في وضع الأساس لانتصارات لاحقة ، وتطهير ما علق في النفوس من آثار سلبية للانتكاسة في احد ، ومنح المسلمين الأمل في حياتهم الجديدة بالتوكل على الله تعالى.
ويستفاد من الآية الشريفة أعلاه أنّ عملية الارهاب الاعلامي الّذي قام به بعض الشياطين لبث الرعب والخوف في قلوب المسلمين من جيوش قريش ، ليس فقط لم يؤثر في زعزعة إيمانهم وثقتهم بالله تعالى وبالإسلام ، بل إزداد إيمانهم واشتدت ثقتهم بالله وتوكلهم عليه ، كلّ ذلك كان بسبب أنّهم كانوا يعيشون الثقة بوعد الله وصدق النبي الأكرم وأنّهم لو عملوا بارشادات النبي في واقعة احد فإنّ النصر سيكون حليفهم لا محالة.
ومن عجائب هذه الواقعة هو أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر المسلمين الّذين اشتركوا في احد فقط بالحضور إلى حمراء الأسد دون غيرهم ، لكي يفهم العدو أنّ جيش المسلمين في احد ما زال قوياً رغم وجود الكثير من الجرحى في صفوفه ، وما زال مستعداً للقتال دون ضعف وفتور رغم استشهاد العديد من ابطاله وأفراده ، وهذا هو الّذي أخاف الأعداء وزرع الخوف والقلق في قلوبهم.
ونقرأ في الآيات اللاحقة وفي الآية ١٧٥ من هذه السورة إشارة للتفاوت بين الأفراد الّذين يعيشون الخوف والجبن وبين المؤمنين الّذين يعيشون الشجاعة والتوكل ، حيث تقول الآية : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
ونستوحي من هذه الآية الشريفة أنّ مثل هذا الخوف يتّسم بصفة شيطانية والغرض منه تضعيف روحية المؤمنين واهتزاز معنوياتهم واتخاذ موقف انفعالي أمام تحديات الظروف وبالتالي التهرب من ضغط المسؤولية والتكليف ، والحال أنّ المؤمنين الحقيقيين لا يشعرون بالخوف إلّا من الله تعالى.
وطبقاً لهذه العبارات الواردة في الآية الشريفة فإنّ الجبن يمتد في جذوره إلى عناصر