الأعداء المنتصرين في أثناء عودتهم من ميدان القتال إلى مكّة ندموا على رجوعهم هذا واتفقوا مرّة اخرى أن يعودوا إلى المدينة ليستفيدوا من هذه الفرصة الثمينة ويُجهزوا على الإسلام والمسلمين ويتخلّصوا منهم إلى الأبد.
فعند ما سمع نبي الإسلام بذلك اتخذ موقفاً مهماً جداً ، حيث أمر جيش الإسلام بالخروج لمواجهة جيوش الأعداء ولم يستثن أحداً من المسلمين حتّى من به جراحة بسبب المعركة الدامية الّتي جرت قبل قليل.
هذا الأمر النبوي اثّر أثره بشكل كبير وأحلّ الرعب والخوف والاضطراب في صفوف الأعداء بحيث إنهم رجّحوا الاكتفاء بالانتصار النسبي والعودة إلى مكّة على الهجوم الثاني على المسلمين ، وهكذا تخلّص المسلمون من شرّهم.
والآية محل البحث تشير إلى هذا المعنى وتثني على شجاعة المسلمين وتقول : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)(١).
ثمّ تتحدث عن إيمانهم وشجاعتهم واصفة حالتهم المتماسكة في مقابل الارهاب الاعلامي للأعداء الّذي يتحرك من موقع التهويل والتخويف وتقول : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(٢).
وهذه هي الحادثة الاولى من نوعها في تاريخ الحروب البشرية حيث لم يشاهد في تاريخ البشرية أنّ المجروحين يعودون فوراً إلى ميادين القتال ليساهموا في دفع خطر الأعداء ، أجل إن هذه الشجاعة والشهامة الفريدة هي التي اجهضت مؤامرة العدو ، وهذا الحضور القوي والسريع إلى الميدان هو الّذي زرع اليأس في قلبه.
وعلى أية حال فإنّ واقعة «حمراء الأسد» كانت ظاهرة عجيبة بدّلت حلاوة النصر لدى
__________________
١ ـ سورة آل عمران ، الآية ١٧٢.
٢ ـ سورة آل عمران ، الآية ١٧٣.