وقد ورد هذا التعبير أيضاً في موارد اخرى كثيرة من القرآن الكريم.
أو يكون المراد منه هو أتباعكم وأصدقائكم وأعوانكم ، أي اجمعوا جميع قواكم وقدراتكم لتتحركوا بها في التصدي لي ولمواجهتي.
وتأتي «الآية الثانية» للتحدث على لسان النبي هود الّذي عاش بعد عصر نوح عليهالسلام وقد هدّده قومه الوثنيّون بالموت ، ولكنه انطلق من موقع القوّة والتوكل على الله وقال لهم بصراحة كما تقول الآية : (... قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ)(١).
واللطيف أنّ هود لم يكتف بعدم الاهتمام والاعتناء بقوى مخالفيه من عبّاد الأوثان وقدراتهم ومؤامراتهم بل انه سعى لتحريكهم وإثارتهم للتصدي له ومواجهته لكي يثبت لهم أنّ قلبه وروحه يرتبطان بقوة أخرى ، وانه بالتوكل على الله تعالى لا يعيش في نفسه أيّ شعور بالخوف من مؤامراتهم مهما عظمت قوتهم واشتدت قدرتهم ، وهذا يدلّ على أنّ التوكل على الله يقود الإنسان إلى حيث المواقف الشجاعة والبطولية والسير في خطّ الاستقامة والحقّ.
فما أعجب أن يقف رجل واحد بمفرده أو مع القليل من أصحابه مقابل هذه الكثرة الكاثرة من قوى الانحراف والأعداء الأشداء مثل هذا الموقف البطولي ويتحرك في مواجهته لهم من موقع الاستهزاء بتهديداتهم والسخرية بمؤامراتهم!! أجل فإنّ هذه من معطيات الإيمان والتوكل على الله في حياة الإنسان.
وقد ذكر أحد المفسّرين القدماء وهو (الزجاج) أنّ هذه الآية تعد من أهم الآيات الّتي تتحدّث عن الأنبياء العظام والّتي استعرضت فيها قصة نبي من الأنبياء يقف هذا الموقف البطولي في مقابل جماعات كثيرة من مخالفيه ويتحدّث معهم مثل هذا الحديث الشجاع ، ومثل هذا التعبير ورد في قصة نوح عليهالسلام وكذلك في الحديث عن سيرة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أيضاً.
__________________
١ ـ سورة هود ، الآية ٥٤ ـ ٥٦.