والجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم وبعد هذه الآية يتحدّث عن أنّ هود عليهالسلام خاطب قومه المعاندين بخطاب من موقع العقل والاستدلال وقال : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها)(١).
ثمّ أضاف : إن قدرة الله تعالى ليست بالقدرة الّتي توحي لصاحبها بالغرور والانحراف عن خطّ الحقّ بل (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وعليه فأنا أعتمد على من قدرته مطلقة وافعاله عين الصواب والعدالة.
وتأتي «الآية الثالثة» لتشير إلى جانب من سيرة النبي إبراهيم عليهالسلام وتوكّله على الله في أحلك الظروف وأصعب الحالات الّتي يواجهها الإنسان وتقول : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(٢).
فلو لم يكن ايمان إبراهيم كالجبل الشاهق ، ولم يكن له قلب كالبحر المتلاطم ، ولم يكن يعيش التوحيد والتوكل في أعلى مراتبه ، فهل يمكنه كإنسان طبيعي أن يسكن زوجته وابنه الحبيب في صحراء قاحلة ومحرقة بلا ماءٍ ولا كلاء ليس لشيء إلّا امتثالاً لأمر الله تعالى ثمّ يعود من هناك إلى وطنه الأصلي؟
هذه الحادثة العجيبة تذكرنا بحادثة اخرى في سيرة إبراهيم عليهالسلام العظيم ، وهي عند ما وضعه مخالفوه وأعداؤه المعاندون في قفص الإتهام بسبب تحطيمه أصنامهم ، فكان إبراهيم على وشك أن يُقتل ولكنه مع ذلك لم يترك السخرية من أصنامهم وعقائدهم الزائفة وكان ينطلق في حواره معهم من موقع المنطق والدلائل القوية في عملية إبطال منطقهم الخرافي وإثبات زيف مدّعياتهم الواهية.
«الآية الرابعة» تشير إلى قصة شعيب عليهالسلام الّذي جاء بعد فترة من النبي هود عليهالسلام وقُبيل
__________________
١ ـ سورة هود ، الآية ٥٦.
٢ ـ سورة إبراهيم ، الآية ٣٧.