طالوت ملكاً وقائداً عليهم والّذي كان شاباً قوياً وعارفاً بالامور ولائقاً لهذا المقام من كلّ جهة ، ولكن بني إسرائيل رفضوا الإذعان لهذا التعيين ، ثمّ قبلوا به أخيراً بعد أنّ بيّن لهم نبيّهم الخصوصيات والمميزات الفريدة في طالوت.
أمّا طالوت فقد اختبر جيشه بعدّة اختبارات ليهيئهم أكثر من الناحية النفسية والروحية لجهاد العدو.
والآية مورد البحث تتحدّث عن الفترة اللاحقة لذلك حيث تستعرض منظر الواقعة بين طالوت وجيشه من جهة ، وجالوت وجيشه العظيم من جهة اخرى ، وتقول : (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(١).
فصحيح أنّ جيش طالوت كان يعاني القلّة في أفراده بالنسبة لجيش جالوت الجرار وما يتمتعون به من سلاح وامكانات حربية واسعة ، ولكن الشيء الّذي أخلّ بالموازنة وأربَكَ المعادلة لصالح المظلومين من بني إسرائيل وبالتالي كتب لهم النصر والغلبة على عدوهم القوي هو الإيمان بالله والتوكل عليه ومواجهة العدو من موقع الصبر والاستقامة في طريق نصرة الحقّ.
ولهذا السبب فإنّ الآية الّتي تليها تُصرح بهذه النتيجة الباهرة وتقول : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ).
وبديهي أنّ حالة الصبر والاستقامة هي السبب في ثبات القدم ورسوخ المواقع ، وثبات القدم سببٌ لتحقيق النصر ، ولهذا ورد ذكر هذه الامور الثلاثة بالترتيب في دعائهم المذكور في الآية الشريفة ، ومعلوم أنّ روح هذه الامور الثلاثة تكمن في الإيمان والتوكل على الله تعالى.
وتأتي «الآية الثامنة» لتتحدّث عن نبي الإسلام ومقام توكله على الله تعالى ، فعند ما كان يواجه المشكلات والضغوط الصعبة في حركته التبليغية علّمه الله تعالى كيف يتغلب على
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية ٢٥٠.