يعني الابتعاد عنه وذلك بسبب أحد العوامل المختلفة من قبيل الجهل أو الكسل وحب الراحة وغير ذلك ، ولكن عند ما وردت جملة (اسْتَكْبَرُوا) بعد هذه العبارة فإنّ ذلك يشير إلى الاستنكاف الّذي يقع من موقع الكبر والغرور ويكون معلولاً لهما ، وبذلك يكون ذكر هذه الجملة بعد تلك العبارة في الواقع إشارة إلى هذه النكتة الدقيقة.
وعلى أيّة حال فإنّ التعبيرات المثيرة في هذه الآيات تدلّ على أهمية هذه المسألة وأنّ هذه الصفة الذميمة وهي الاستكبار تنتج هذه العواقب الوخيمة لدى كلّ إنسان يتصف بها.
وفي «الآية الرابعة عشر» والأخيرة من الآيات محل البحث نقرأ نتيجة اخرى من النتائج الخطيرة والأليمة المترتبة على حالة الاستكبار حيث تقول الآية : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ)(١).
ففي هذه الآية الشريفة ورد أوّلاً (التكذيب بآيات الله) إلى جانب (الاستكبار) وكما ذكرنا سابقاً أنّ أحد العلل المهمّة لإنكار آيات الله والتصدي لدعوة الأنبياء هي حالة الاستكبار الّتي يعيشها الأقوام البشرية ، فأحياناً كانوا يقولون : ما هو امتياز هذا النبي عنا؟ ولما ذا نزلت عليه آيات الله دوننا؟ ويقولون أحياناً اخرى : إن الاراذل والفقراء من الناس إلتفّوا حوله ونحن أعلى شاناً من أن نكون كأحدهم ، ولو أنّ هذا النبي قد طرد هؤلاء المؤمنين به من حوله فسوف يفسح لنا المجال للدخول في مجلسه والمشاركة في الاستماع لكلماته ومواعظه ، وهكذا من خلال هذه التبريرات والذرائع الواهية كانوا يعرضون عن الإيمان بالله والتحرّك في خط المسؤولية.
عبارة : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) والّتي وردت في القرآن الكريم في هذه الآية فقط هي تأكيد واضح على عظمة هذه الخطيئة وهذا الاتصاف السلبي والخطير في حركة الإنسان في الحياة ، أي كما أنّ عبور الجمل (أو طبقاً لتفسير آخر : الحبل الضخم) غير ممكن ومستحيل من ثقب أبرة فإنّ دخول المتكبّرين إلى الجنّة والنعيم الإلهي
__________________
١ ـ سورة الأعراف ، الآية ٤٠.