الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً» (١).
وتقول الآية الّتي تليها مؤكدة على أصل مهم ومصيري في حياة الإنسان والمجتمع البشري : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)(٢).
هذه الآيات ناظرة إلى دعوى واهية لطائفة من النصارى الّذين ذهبوا إلى إلوهية المسيح وتصوّروا أنّهم لو أنزلوا المسيح من هذا المقام وأنّه عبد الله فإنّ ذلك سيكون هتكاً لحرمته وإهانة لساحته ومقامه السامي.
وأمّا القرآن فيقول لهم أنّه ليس المسيح ولا أي واحد من الملائكة أو من المقرّبين له هذا المقام ، ولا يتصوّر أحد منهم ذلك بل يرون أنفسهم عباد الله ويذعنون أمام هذه الحقيقة الناصعة ، ويأتون بطقوس العبودية له ، ثمّ يذكر القرآن أصلاً كليّاً ويقول : إذا تحرّك أي واحد من المخلوقين حتّى الأنبياء الإلهيين أو الملائكة المقرّبين مبتعداً عن خط العبودية ومتلبساً بلباس الاستكبار أمام الحقّ تعالى واستنكف عن عبادته وتكبر فإنّه سوف لا يستطيع انقاذ نفسه من العذاب الإلهي ولا يستطيع أحد انقاذه من خالق العقاب الأليم المقرّر له.
والملفت للنظر أنّ الآية الأخيرة تقرّر أنّ الإيمان والعمل الصالح يقعان في النقطة المقابلة ، للاستكبار والأنانية ورؤية الذات أعلى من الواقع ، وبالتالي يمكننا أن نستوحي منها هذه النتيجة ، وهي أنّ من يسلك طريق الاستكبار وينطلق في فكره وسلوكه من موقع التكبّر فليس له إيمان حقيقي ولا عمل صالح.
«الاستنكاف» في الأصل من مادّة «نكف» على وزن «نصر» وهي في الأصل بمعنى مسح قطرات الدموع على الوجه بالأصابع ، وعليه فيكون الاستنكاف من عبودية الله تعالى
__________________
١ ـ سورة النساء ، الآية ١٧٢.
٢ ـ سورة النساء ، الآية ١٧٣.