فلم تجذب ملامح يوسف ووجهه الجميل عزيز مصر فحسب ، بل احبته زوجة العزيز أيضاً وعشقته بشدّة إلى درجة أن هذا العشق أثَّر اثَرُهُ في نفس هذه الامرأة وامتد إلى أعماق قلبها ، وشيئاً فشيئاً تعمق في وجودها إلى درجة انها لم تعد تُطيق كبته ، ولكن النبي يوسف الّذي كان يعيش العفة والطهارة والتقوى كان قد عشق الله تعالى ولا غير.
هذا وقد استخدمت امرأة العزيز الشابة الجميلة شتّى الطرق بمختلف الوسائل للوصول إلى هدفها ، هذه الوسائل الّتي كان يكفي بعضها في تحريك أي شابٍ أعزب في عمر النبي يوسف ، ولكنَّ يوسف عاش حالة الصمود أمام تحديات الشهوة الشديدة وفوّض نفسه وسفينة حياته إلى ذكر الله تعالى ورحمته ، وإلّا لكان الغرق في الخطيئة من نصيبه كما تصرّح الآية الّتي تليها (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ)(١).
إن عبارة «من عبادنا» وكذلك «مخلصين» من العبارات العميقة المعنى والّتي وردت في هذه الآية بعنوان اوسمة افتخار ليوسف على موقفه الشجاع هذا.
ورغم أنّ يوسف كان قد اتهم من قبل زوجة عزيز مصر بالخيانة مع عفته وطهارته بحيث يمكنها أن تودي بحياته ، إلّا أنّ الله تعالى قد وعد المؤمنين الطاهرين بالنجاة وانقذ يوسف بواسطة شهادة طفل رضيع في المهد ببراءته وطهارته من التهمة بصورة إعجازية.
وهناك مسطورات لبعض الأفراد الجهلة والمغرضين الّذين ذكروا في تفسير هذه الآيات أنّ المقصود بقوله «همَّ بها» هو أنّ يوسف بدوره همَّ بالمعصية ومقاربة زليخا ، وكما هو المعلوم أنّ هذا المعنى لا يليق بمقام عصمة الأنبياء ولا ينسجم مع سياق الآيات المذكورة أعلاه بل إن القرآن الكريم يصرّح بأنه لو لا برهان الله الّذي أعان يوسف في وقت الشدّة لكان قد همَّ بها ، ولكن بما إن برهان الرب حلَّ في الوقت المناسب فإنه لم يقصد الخطيئة.
وللفخر الرازي تعبير جميل في تفسير هذه الآية حيث يقول : «وأما أنّ إبليس أقرّ بطهارته ، فلأنه قال : فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلّا عبادك منهم المخلصين ، فأقر بأنه لا
__________________
١ ـ سورة يوسف ، الآية ٢٤.