يمكنه اغواء المخلصين ، ويوسف من المخلصين لقوله تعالى : «انه من عبادنا المخلصين» فكان هذا إقراراً من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن طريق الهدى ، وعند هذا نقول : هؤلاء الجهال الّذين نسبوا إلى يوسف عليهالسلام الفضيحة إن كانوا من اتباع دين الله تعالى فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته وإن كانوا من اتباع إبليس فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته» (١).
«الآية الرابعة» تتحدّث عن سيرة النبي يوسف المليئة بالأحداث بعد ما حصل بينه وبين امرأة العزيز ما حصل ، وتشير إلى محنة اخرى وامتحان آخر للنبي يوسف (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) فعند ما امتد خبر وقوع هذه الحادثة ليشمل جميع بيوت المدينة وعلم الناس بقضية العشق الملتهب الّذي ألَمَّ بقلب امرأة العزيز اتجاه غلامها ، فإنّ نسوة مصر اطلقن السنتهنَّ باللوم والتوبيخ لامرأة العزيز ، ولكنها لما رأت ذلك أرادت إثبات براءتها فأعدت مائدة كبيرة واستضافت النسوة المعروفات ونساء الشخصيات الكبيرة في مصر ، ثمّ طلبت من يوسف أن يخرج عليهن ويدخل عليهنَّ ذلك المجلس الحافل.
وعند ما وقعت أعينهنَّ على الجمال العجيب ليوسف ارتبكن بشدّة وفقدن اختيارهُنّ وجرحنَّ أيديهنَّ بالسكين الّتي كانت بأيديهنّ لتقطيع الفاكهة وقلن جميعاً (حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ)(٢).
فعند ما رأت امرأة العزيز منهن ذلك ورأت انها قد انتصرت في هذا الموقف ، توجهت إليهنّ بالخطاب وقالت (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ)(٣).
وكان هو ثاني امتحان صعب يمر بيوسف حيث وقع بين أمرين وطريقين ، فاما أن
__________________
١ ـ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ١٨ ، ص ٨٢ و ٨٣ ذيل الآية محل البحث.
٢ ـ سورة يوسف ، الآية ٣١.
٣ ـ سورة يوسف ، الآية ٣٢.