يستسلم لنوازع امرأة العزيز ويُرضي هيامها وعشقها منه ، وبالتالي يعيش حالة الترف والدلال والنعمة الدنيوية ، واما أن يقاوم هذه الرغبة الممنوعة ويكون مصيره السجن وتحمل أنواع الضغوط والصعوبات.
ولكن يوسف ومن دون أي ترديد انتخب الطريق الثاني وسأل الله تعالى أن يوفقه لذلك وقال (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ)(١).
ويتضح من سياق هذه الآية أنّ نسوة مصر اللواتي حضرن في مجلس امرأة العزيز قد دعون يوسف إلى التسليم لامرأة العزيز والرضوخ لطلبها ، فكلّ واحدة تحدثت معه بأنواع الوسوسة فأحداهنَّ تقول : ايها الشاب ألم تر الجمال الآسر لامرأة العزيز ، ألست تلتذ بالجمال وممارسة العشق معها؟ والاخرى تقول : إذا لم يؤثر في قلبك جمال هذه المرأة فلا ينبغي أن تنسى انها زوجة عزيز مصر ، فلو استطعت أن تكسب قلبها فسوف يكون بإمكانك التمتع بالثروة والمقام وتمام ما تريد في الحياة.
الثالثة تحذره من أنك لو لم يؤثر فيك جمال هذه المرأة ، ولم تكن تهم بمقامها ومكانتها الاجتماعية ولكنك يجب أن تعلم بأن هذه المرأة سوف تغضب عليك وتتحول إلى موجود خطر يهدد حياتك ، وسوف تنتقم بنفسها وترسلك إلى قعر السجون المظلمة حيث تنسى إلى الابد.
وبما أنّ الطريق الأخير الّذي يقف أمام يوسف وهو الوقوع في السجن الموحش فإنّ يوسف طلب من الله تعالى ذلك فوراً ، وخاطب ربّه بأن السجن احبُ إليَّ من الوقوع بالمعصية والإثم ، فانا مستعد لدخول السجن اطاعة لأمره وحفظاً لحدوده ومن أجل المحافظة على شرفي وعفتي في مقابل طلب هؤلاء النسوة ، وكان تهديد هؤلاء النسوة ليوسف بصورة جدية ، وقد تمّ ذلك عملياً وأُلقي يوسف في السجن ، وبذلك انقذ نفسه وشرفه من تلوثات القصر ومفاسد المحيط حيث تذكر الآيات الّتي تلي هذه الآية أنّ ذلك السجن
__________________
١ ـ سورة يوسف ، الآية ٣٣.