أن يصل إلى مستوى الانعام بل اضل منها واتعس ، لأن الأنعام إنّما تعيش الغفلة في حياتها بسبب انها خلقت كذلك وعدم وجود ملكة التنبه والتعقل في ذاتها ، في حين إن الإنسان إذا عاش الغفلة في حياته مع وجود عوامل التنبه بأدوات التذكر والتعقل فسيكون أضل من الأنعام بالتأكيد.
إن مفهوم الآية أعلاه لا يعني أنّ الله تعالى يجبر بعض الناس على سلوك طريق جهنم بل كما ورد التصريح في الآية نفسها أنّ أهل النار عند ما صاروا من أهل النار بسبب اختيارهم لهذا الطريق والسلوك الشائن ، لأن الله تعالى قد أعطاهم العقل ولكنهم لم يستخدموا عقولهم ، وأعطاهم السمع والبصر ولكنهم لم يصحوا إلى الحقائق الإلهية في آذانهم ولم يروا آيات الله بأبصارهم ، إذن فكلما يواجهونه من مشاكل دنيوية أو اخروية فهو بسبب اختيارهم ومن ناحيتهم ، وغاية الأمر أنّ الله تعالى قد قرر قانوناً وناموساً يحكم عالم الوجود في دائرة الإنسان ، وهو أنّ كلّ من لم يستخدم المواهب الإلهية في مجالها الخاصّ ولم يتحرّك في سبيل استخدام قابلياته الذاتية في طريق التكامل المعنوي فسيكون مصيره إلى جهنم في الآخر ، فحصول هذا الشرط في هذا القانون يرتبط بإرادة الإنسان ذاته.
«الآية الثانية» تتحدّث عن الكتاب في عرصات يوم القيامة ، في ذلك الوقت الّذي يقترب فيه وعد الله حيث تسري فيه الوحشة ويملك الخوف جميع وجودهم وتتحجر عيونهم من الرعب ، وهناك يتعالى صراخهم وعويلهم وينادون بالويل والثبور على ما كانوا في غفلةٍ من هذا الحال (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ)(١).
وعلى هذا فإنّ هذة الفئة من الناس يُقرون بأن «الغفلة» هي العامل الأساس في انحرافهم عن جادة الحقّ ، الغفلة الّتي دعتهم إلى أن يتحركوا من موقع الظلم على أنفسهم وعلى الآخرين وتركهم لدعوة الأنبياء والكتب السماوية والقاءها وراء ظهورهم.
__________________
١ ـ سورة الأنبياء ، الآية ٩٧.