هؤلاء يتحدّثون بهذا الكلام عند ما تصيب الزلزلة جميع عالم الوجود وتتجلّى يومئذٍ علامات القيامة وتزول حجب «الغفلة» ، وهناك يعيش هؤلاء الندم حيث تكون أبواب التوبة والانابة إلى الله مؤصدة أمامهم (١).
«شاخصة» من مادّة «شخوص» وهي في الأصل بمعنى الخروج من المنزل أو المدينة إلى مدينة اخرى ، وبما أنّ الإنسان عند ما يستولي عليه الرعب تشحب عيناه وتتوقفان عن الحركة حيث يظل ينظر إلى نقطة معينة في حالة من البهت بحيث تكاد تخرج حدقة العين من مكانها ، فهذه الحالة يطلق عليها بالشخوص.
«الآية الثالثة» تخاطب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله من موقع الارشاد لمن يصح معاشرتهم والحياة معهم وتقول (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)(٢).
في هذه الآية نقرأ صفات الأشخاص الّذين يمتلكون اللياقة ليكونوا في صحبة النبي ورفقته من موقع اتصافهم بالايمان والعبادة وذكر الله تعالى في الصباح والمساء ، وتحذر الآية الشريفة أيضاً من اطاعة الغافلين عن ذكر الله والّذين يتحركون من موقع الأهواء والشهوات إلى درجة الافراط ، ومن خلال مضامين هذه الآية الكريمة نستوحي وجود علاقة بين اتباع الهوى وبين الغفلة ، أجل فإنّ الغافلين عن ذكر الله هم الّذين يتبعون أهوائهم ويعيشون حالة الافراط في سلوكياتهم ، ولو لم يكن في ذمّ «الغفلة» الا هذا لكفى.
وطبقاً لما بيّنته الآية أعلاه من أنّ الله تعالى قد أغفل قلوب هؤلاء «أغفلنا قلبه عن
__________________
١ ـ وقع اختلاف في مرجع الضمير «هي» وانه على من يعود؟ والأفضل عوده على الأبصار ، فهناك نوع من التقديم والتأخير في كلمات الآية.
٢ ـ سورة الكهف ، الآية ٢٨.