(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ)(١).
هذا التعبير في الآية الكريمة يشير إلى أن ذكر الله تعالى يورث الإنسان بصيرةً في قلبه في حين أنّ الغفلة عن ذكر الله تمهد الطريق لنفوذ الشياطين إلى قلبه.
«طائف» يعني من يطوف حول شيء معين ، والمراد به كما ذكره جمعٌ من المفسّرين الكبار هو الوساوس الشيطانية الّتي تطوف حول قلب الإنسان لتتمكن من العثور على منفذ لها في كعبة القلب وتحول هذا القلب إلى معبد للأوثان ، وعملية النفوذ هذه لا تتسنى لهؤلاء الشياطين إلّا في حالة «الغفلة» عن ذكر الله ، لأن الإنسان بمجرد أن يذكر الله تعالى فإنّ الوساوس والخطرات الشيطانية سوف تبتعد وتتلاشى ، ويتجلّى حينئذٍ نور الحقّ أمام بصيرة الإنسان في حركته المنفتحة على الله والحقّ.
«الآية الحادية عشر» تتحدّث عن الغافلين الّذين يعيشون حالة الغفلة والجهل المطلق إلى آخر عمرهم ، ولكن عند ما يحين أجلهم ويقعون في سكرات الموت ويرون بامّ أعينهم آثار أعمالهم السيئة فحينئذٍ يعيشون الرعب والقلق الشديد ، فيقال لهم حينئذٍ (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(٢).
إن الآيات القرآنية هذه توحي بوجود ملكين يصطحبون الإنسان في عرصات المحشر ، أحدهما يسوقه إلى محكمة العدل الإلهي ، والآخر يحضر بعنوان الشاهد على أعماله ، ويحتمل أن يكون هذان الملكان هما الّذين كانا يصطحبان الإنسان في الحياة الدنيا ويكتبون أعماله الصغيرة والكبيرة ، ففي القيامة يأخذان بيد المجرمين ومعهما كتابهما هذا إلى حيث المحكمة الإلهية الكبرى ، ولكنَّ هؤلاء المجرمين لم يكونوا يحسون بوجود هذين الملكين في الحياة الدنيا بل لم يكونوا يؤمنون بوجودهما بالرغم انهما يصحبون كلّ إنسان في هذه الحياة ، ويوم القيامة حيث تزاح الحجب وتزال الاستار وتنفتح عين البصيرة يرى
__________________
١ ـ سورة الأعراف ، الآية ٢٠١.
٢ ـ سورة ق ، الآية ٢٢.