في البحر ويتجهون نحو الله بكلّ اخلاص ويتعالى صراخهم «يا الله يا الله» (١).
«الآية التاسعة» تقرر حكماً عاماً وكلياً بالنسبة إلى جميع أفراد البشر وتقول (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)(٢).
أجل ، فإنّ التوجه إلى الله تعالى يتسبب أن يكون الذاكر جليس الملائكة بمقتضى قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ...).
والحال أنّ التغافل عن ذكر الله يفضي بالإنسان أن يكون قرين الشياطين الّذين يسوقونه إلى حيث يريدون كما تقول الآية الشريفة (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) وفي الواقع أنّ عمله هذا أي «الغفلة» عن آيات الله يورثه البعد عن رحمة الله وبالتالي يكون قرين الشياطين البعيدة عن رحمة الله ، وبعبارة اخرى : أنّ هذه الحالة هي جزاءه الدنيوي على حالة الغفلة هذه.
وبالنظر إلى أنّ كلمة «يعش» من مادّة «عشو» على وزن «نَشَر» ، بمعنى ضعيف النور في بصره فلا يرى شيئاً بوضوح وكأنما يغطي عينه حجاب فلا يرى الحقيقة بوضوح ، ومفهومها ليس هو سوى الغفلة والاعراض عن الله تعالى ، ويقول رسول الله صلىاللهعليهوآله «إذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ شَرّاً قيِّضَ لَهُ شَيطاناً قَبْلَ مَوتِهِ بِسَنَةٍ ، فَلا يرى حَسَناً الّا قَبَّحَهُ عِنْدَهُ حَتَّى لا يَعْمَلُ بِهِ ، وَلا يَرى قَبِيحاً الّا حَسَّنَهُ حَتّى يَعْمَلُ بِهِ» (٣).
وفي «الآية العاشرة» يتحدّث القرآن الكريم عن المتقين والّذين يقابلون امواج الوساوس الشيطانية ويعالجون حالات الغفلة مهما كانت قليلة بذكر الله تعالى ، فتكون النتيجة أنّ حجب الغفلة وتراكمات الوساوس تنقشع عن القلب وتنفتح البصيرة فتقول الآية
__________________
١ ـ روح البيان ، ج ٦ ، ص ٤٩٣.
٢ ـ سورة الزخرف ، الآية ٣٦.
٣ ـ روح البيان ، ج ٨ ، ص ٣٦٩.