المفسّرين سؤالاً هنا ، ولعلّ هذا السؤال كان هو السبب في احتمال عودة الضمير إلى النقمة والعذاب ، وهو أنّ «الغفلة» حالة غير اختيارية ولذلك لا يمكن أن تستوجب عذاب الله للإنسان.
ولكن الجواب عن هذا السؤال واضح ، لأن «الغفلة» في كثير من الموارد تكون اختيارية في جذورها ومقدماتها ، فعند ما يتحرك الإنسان باتجاه آيات الله ولا يتدبر فيها ولا يصغي لكلمات الأنبياء ، فمن الطبيعي أن تستولي عليه حالة الغفلة ، ومن هذا المنطلق نجد الناس كثيراً ما يذمون المجرمين والمنحرفين بسبب غفلتهم.
«الآية الثامنة» وبالرغم من انها لم تذكر كلمة «الغفلة» في سياقها ، إلّا أنّ محتواها العام يتضمّن مفهوم الغفلة ، فهذه الآية تتحدّث عن المشركين في عصر النزول الّذين كانوا يتحركون من موقع الغفلة الشديدة وأحياناً ينتبهون من غفلتهم ويتجهون نحو التوحيد في حالات خاصّة ، وأحياناً اخرى يغرقون في مستنقع الشرك والضلالة تماماً ، فتقول الآية (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ)(١).
أجل ، فإنّ اعصار الحوادث والأخبار من شأنه أن يزيح حُجب «الغفلة» عن أبصار هؤلاء ويتجلّى لهم حقيقة الأمر وواقع الحياة الدنيا ، فطائفة منهم تستثمر هذا التنبيه وهذه اليقظة في حركتها التكاملية والمعنوية ويتحركون لاصلاح أخطائهم وجبران ما فاتهم من العمر ، ولكن هناك طائفة اخرى وهم الأكثرية يتنبهون في هذه اللحظات فحسب وبعد انتهاء الحادثة يعودون ادارجهم نحو ما كانوا يعيشونه من الغفلة واتباع الهوى في خط الباطل والانحراف.
بعض المفسّرين يذكر في ذيل هذه الآية أنّ المشركين كانوا يصطحبون معهم أصنامهم في أسفارهم البحرية ليحفظونهم من الغرق ولكنهم عند ما يواجهون الخطر ويرون أمواج البحر الرهيبة الّتي تتقاذفهم من كلّ جانب كالريشة في مهب الريح فإنّهم يلقون بأصنامهم
__________________
١ ـ سورة العنكبوت ، الآية ٦٥.