القرآن الكريم في إدامة حديثه عن قارون وثروته يقول في هذه الآية (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)(١).
لقد كان قارون فرحاً جدّاً من وضعه الاجتماعي وكان يعيش دائماً حالة اللهو واللّذة ولا يشعر بما يجري على البؤساء والفقراء ولا يعيش محنتهم وحرمانهم وحتّى عند ما قال له العقلاء من قومه (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(٢).
هذه التعاليم الخمسة والنصائح المشفقة ليس لم تؤثر إطلاقاً في قلب قارون الأسود ، بل زادته طغياناً وضلالاً إلى درجة انه انكر بصراحة التوحيد الأفعالي لله تعالى وقال : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ).
ويتحدّث القرآن الكريم في آياتٍ اخرَى من هذه السورة عن إحدى الرذائل الأخلاقية لقارون الّتي تتمثل تقريباً بدرجة من الجنون الّذي يبتلي به جميع الأثرياء المغرورين والّذين يتحركون في خطّ الإنحراف وطلب المزيد من الثروة والمال بعيداً عن الله تعالى فتقول الآية : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(٣).
وأخذ يتبرج بهذه الثروة الطائلة من موقع الغرور والتفاخر حيث استعرض معه الجياد الغالية المزينة بالذهب وحمل معه الجواري الجميلات الغارقات بأنواع الزينة والمجوهرات وكذلك سائر أنواع الأموال والثروة وزخارف الدنيا وبريقها الخداع حتّى أنّ طائفة من المؤمنين نصحوه بترك هذه السلوكيات الذميمة ، إلّا أنّه بدلاً من أن يستمع إليهم ويسلك مع الفقراء والمعدمين مسلك اللطف والكرم والمواساة فانه انطلق من موقع العناد
__________________
١ ـ سورة القصص ، الآية ٧٦.
٢ ـ سورة القصص ، الآية ٧٦ ـ ٧٧.
٣ ـ سورة القصص ، الآية ٧٩.