والإصرار لوضع الملح على جراح هؤلاء الفقراء والبؤساء ويجعلهم حيارى غارقون بالحسرة أمام هذا الغرور العجيب.
وعند ما ازدادت حدّة طغيانه لم يمهله الله تعالى أكثر من ذلك ، فكان أن اصابت زلزلة قصره ومحل إقامته فقط فخسفت به الأرض وغاص في أعماقها هو وجميع ثروته ، وهكذا صار حديثاً بعد عين وعبرةً لمن اعتبر على طول التاريخ البشري.
إن الجذور الأصلية لشقاء «قارون» هو حالة «البخل» الّتي كان يعيشها بعمق بكامل وجوده ، البخل الّذي صار منشأً وسبباً لانكاره لنبوّة موسى عليهالسلام وتعامله مع عقيدة التوحيد الإلهي من موقع الاعتراض والرفض ، وأخيراً ادّى به الحال إلى اتهام نبي الله موسى عليهالسلام بالعمل المنافي للعِفة مع زانية معروفة ، ولكن الله تعالى فضح أمره سريعاً ، فكان يتصور انه مع تملكه لهذه الثروة العظيمة فإنه لا أحد يقدر على إيصال الضرر إليه ، ولهذا السبب فلم يكن يمتنع من أي ظلم وجور على قوم بني إسرائيل إلى أن نال جزاءه وعقابه.
«الطائفة الثانية» من الآيات محل البحث تشير إلى قصة اخرى من قصص هؤلاء البخلاء ومصيرهم الأسود حيث يتحدّث القرآن الكريم هنا عن جماعة يسموهم «أصحاب الجنّة» ويرى بعض المفسّرين أنّهم كانوا جماعة من بني إسرائيل يسكنون «اليمن» على مقربة من «صنعاء» ، وذهب بعض المحققين إلى أنّ كلمة «حرد» الواردة في سياق هذه الآيات يعني «المنع» وهي من الكلمات المتداولة في اليمن وتشير إلى أنّ هؤلاء كانوا من أهل اليمن.
لقد كان عدد هؤلاء عشرة أشخاص وكان لديهم بستان كبير وثروه من أبيهم الّذي كان رجلاً كريماً وسخياً وصالحاً ، وكان عند ما يحين قطاف الثمار يفتح باب البستان على مصراعيه للفقراء والمساكين لينالوا منه حاجتهم ، وبذلك كانت البركة وسعة المال والثراء تزداد في أموال الأب ، ولكنَّ ابناءه البخلاء كانوا يتصورون أنّ مثل هذا البذل والعطاء الكثير الّذي يصب في جيوب الفقراء والمحتاجين لا مسوّغ له ، ولا مبرر لأن ينفق الإنسان من أمواله بهذه الدرجة ، وبذلك لقد عزموا على أن يمنعوا كلّ فقير من الدخول إلى هذا البستان