الكبير ، وقرروا أيضاً فيما بينهم أن ينهضوا في الصباح الباكر ومن دون اعلان أو سخط ليقطفوا ثمار هذا البستان مع مجموعة من العمال وقبل أن يستيقظ الفقراء والمساكين من نومهم ويصل إليهم الخبر فإنّهم يقومون بنقل هذا المحصول الكثير.
يقول البرسوئي في «روح البيان» : «إنّ هذه الحادثة وقعت بعد عصر عيسى بقليل حيث كان لهم أب كريم جداً ، فكان يأخذ من بستانه ما يكفيه لسنته ويوزع الباقي على الفقراء ، ولكن ما أن توفي الأب حتّى قال الأولاد : إننا إذا سرنا بسيرة والدنا فإنّ حياتنا ستكون شاقة ، لكثرة عيالنا وأطفالنا ، فأقسموا أن يعجلوا في الصباح الباكر على قطف الثمار وحتّى أنّهم لم يقولوا : إن شاء الله» (١).
وقد أنزل الله تعالى عليهم عذاباً أليماً وعاقبهم بأشد العقاب كما تقول الآية (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ)(٢).
أجل ، إن صاعقة محرقة ونار رهيبة نزلت على ذلك البستان وأحرقته من أوّله إلى آخره (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)(٣).
«الصريم» هو الشجرة غير المثمرة ، أي أنّ الصاعقة اتلفت الثمار فقط دون الأشجار الّتي بقي منها الجذوع فقط ، وفي الغد عند ما نهض الاخوة وذهبوا في الصباح الباكر إلى بستانهم ترجموا خطتهم على أرض الواقع ، فلما وصلوا إلى ذلك البستان
ورأوا ذلك المنظر المهيب والمفجع قالوا : (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)(٤).
جملة (إِنَّا لَضَالُّونَ) إشارة إلى أنّهم لم يكونوا يصدقون أنّ هذا البستان قد احترق بأكمله بعد ما كان قبل قليل زاهراً ومليئاً بالثمار ولكن عند ما دققوا النظر أدركوا من خلال القرائن أنّ هذا البستان المحترق هو بستانهم الّذي اصبح بهذه الصورة لذلك قالوا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ).
__________________
١ ـ روح البيان ، ج ١٠ ، ص ١١٤ ، (لقد استفاد من كلمة «وَلا يَسْتَثْنُونَ» أنّ المراد هو قول «إن شاء الله» ، ولكن المناسب مع مفهوم الآية هو أنّهم لم يتركوا شيئاً من ثمار البستان إلى الفقراء).
٢ ـ سورة القلم ، الآية ١٩.
٣ ـ سورة القلم ، الآية ٢٠.
٤ ـ سورة القلم ، الآية ٢٦ و ٢٧.