وهناك احتمال آخر ، وهو أنّ المراد بالضلالة هنا هي الانحراف عن طريق الله والحقّ لأنهم كانوا يتصورون إن السعادة تكمن في عنصر «البخل» ، والحال أنّ الطريق الصحيح لنيل السعادة الحقيقية هو الطريق الّذي سلكه أبوهم الكريم من قبل.
وجاء في الآيات التالية إن هذه المجموعة من البخلاء انتبهوا من نوم الغفلة بسرعة وأخذوا يلومون أنفسهم واعترفوا بذنبهم وعزموا على عدم تكراره في المستقبل بعد أن طلبوا من الله تعالى بستاناً أفضل من السابق ، وقد ورد في بعض الروايات أنّ الله تعالى قبل توبتهم ووهبهم بستاناً أفضل وأحسن من بستانهم السابق.
وعلى أية حال فإنّ الآية أعلاه تبين العواقب المؤلمة لحالة «البخل» والشُّح بحيث إن هذه الرذيلة تضر الإنسان حتّى في أمر دنياه العاجلة.
والملفت للنظر أنّ القرآن الكريم يقول في بداية هذه الآيات (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) ولعلّ هذا التعبير إشارة إلى حالة القحط الشديد الّذي أصاب مكّة المكرمة بسبب البخل وترك الانفاق من قبل أثرياء قريش.
«الآية الثالثة» تتحدّث عن مصير شخص بخيل في عصر رسول الله ، وطبقاً للكثير من التفاسير فإنّ هذا الشخص كان من الأنصار ويدعى «ثعلبة بن حاطب» والّذي كان في بداية أمره معسراً وفقيراً بشدة وكان يتمنّى أن يكون يوماً من الأثرياء ولذلك طلب من النبي بإلحاح شديد أن يدعو له بذلك ليكون من الأثرياء.
فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، ولكنه أصرّ على ذلك وقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يرزقني مالاً والّذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لاعطين كلّ ذي حقّ حقه وهو قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)(١).
ثمّ إنّ النبي الأكرم دعا لهذا الرجل بعد إصراره الشديد ليكون عبرةً لغيره فلم تمض فترة
__________________
١ ـ سورة التوبة ، الآية ٧٥.