ونختم هذا البحث بذكر حديث شريف في تفسير معنى «الشُّح» عن الإمام الصادق عليهالسلام حيث سأل «الفضيل بن عياض» : هل تعلم معنى «الشحيح» فقال : البخيل ، فقال له الإمام «الشُّحُ اشَدُّ مِنَ الْبُخلِ انَّ الْبَخيلَ يَبْخَلُ بِمَا فِي يَدِهِ وَالشّحيحُ يَشُحُّ عَلَى مَا فِي ايْدِي النّاسِ وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ حَتَّى لا يَرى فِي ايْدِي النّاسِ شَيْئاً الّا تَمَنّى انْ يَكُونَ لَهُ بِالْحِلِّ وَالْحَرَامِ ، لا يَشْبَعُ وَلا يَقْنَعُ بِمَا رَزَقَهُ اللهُ عَزّ وَجَلّ» (١).
«الآية التاسعة» وضمن استعراضها لمسألة «البخل» تحت عنوان التقتير تقول في ذكر صفات عباد الرحمن : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(٢).
«يقتروا» من مادّة «قتر» على وزن «صبر» ويقع هذا المفهوم في النقطة المقابلة للاسراف ، وأحياناً يذكر الاسراف والاقتار كلٌّ منهما في مقابل الآخر ، فالأوّل هو البذل أكثر من الحدّ اللازم ، والآخر هو البذل أقل من المقدار اللازم.
وفي الواقع فإنّ «قتر» و«اقتار» تعد من المراحل الضعيفة للبخل ، لأن الاقتار هو الحدّ الأدنى للانفاق في حين أنّ المراحل الأشد من البخل تفتقد إلى أي شكل من أشكال الانفاق والعطاء ، ومع هذا الحال فإنّ الله تعالى ينزه عباده المخلصين من هذه الصفة أيضاً رغم أنّها أفضل من البخل.
الكثير من المفسّرين أوردوا في معنى «الاقتار» مفهوم البخل أو الشُّح وأمثال ذلك ، وقد وردت رواية في تفسير «علي بن إبراهيم» عن الإمام الصادق عليهالسلام في هذا المعنى حيث ذكرت الرواية أنّ (لَمْ يَقْتُرُوا) بمعنى «لَمْ يَبْخَلُوا فِي حَقِّ اللهِ عَزّ وَجَلّ» (٣).
وجاء في بعض التفاسير أنّ بعض الخلفاء أراد تزويج ابنته من أحد الامراء ، فعند ما سأل هذا الخاطب لابنته عن مقدار ما ينفقه للزواج من ابنته أجاب بجواب جميل وقال «الحَسَنَةُ
__________________
١ ـ نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٢٩١.
٢ ـ سورة الفرقان ، الآية ٦٧.
٣ ـ تفسير علي بن سورة إبراهيم ، الآية ج ٢ ، ص ١١٧.