المدينة الّذين استقبلوا المهاجرين إليهم من مكّة برحابة صدر واستضافوهم في بيوتهم وفضلوهم على أنفسهم بل حتّى أنّهم قالوا : نحن على استعداد لتقديم أموالنا وبيوتنا بيننا وبين المهاجرين ولا نطمع بشيءٍ من الغنائم الحربية.
القرآن الكريم يستعرض حالة هؤلاء المؤمنين في الآية الشريفة فيقول (... يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ...)(١).
وقد ذكر بعض المفسّرين المعروفين أنّ التاريخ البشري لم يعرف مثل هذا الاستقبال والحفاوة لجماعة من الغرباء لدى دخولهم إلى مدينة من المدن حيث استقبلهم المؤمنون استقبالاً عظيماً حتّى أنّهم كانوا يفضلوهم على أنفسهم وسعوا إلى تقسيم كلّ ممتلكاتهم معهم بالسوية بل ورد في بعض الروايات أنّ عدد المهاجرين كان أقل من المستعدين لضيافتهم وكان ذلك سبباً في حدوث خلاف بينهم في نيل افتخار الضيافة. فكانوا يقترعون فيما بينهم على ذلك (٢).
وعلى أية حال فإنّ الله تعالى قد مدح هذا الخلق الكريم وأثنى على هذا الايثار والسخاء بهذه العبارات الكريمة.
«الآية الثانية» تتحدّث عن الكرماء الّذين قدموا طعامهم إلى المسكين واليتيم والأسير في حين أنّهم محتاجون إليه بشدّة ومن دون طمع في أجرٍ وثناء من الطرف المقابل (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً* إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً)(٣).
وهناك روايات كثيرة من طرق الشيعة وأهل السنّة تتحدّث عن أنّ الآيات ٨ ـ ٩ من
__________________
١ ـ سورة الحشر ، الآية ٩.
٢ ـ في ظلال ، ج ٧ ذيل الآية.
٣ ـ سورة الدهر ، الآية ٨ و ٩.