«الآية السادسة» تقرر أنّ الانفاق مضافاً إلى انه أحد الأركان المهمة للتقوى وأنّه مصدر الهداية الإلهية للمؤمنين ، تقول : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(١).
ومع ملاحظة أنّ «ينفقون» جاءت بشكل فعل مضارع ، ومفهومها أنّ هؤلاء ينفقون من المواهب الإلهية والعطايا الربانية الّتي لديهم بصورة مستمرة ، وهذا يدلّ على كرمهم وسخائهم المتجذر في نفوسهم بحيث اصبح ملكة إنسانية وصفة كريمة لديهم.
فتعبير (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) يشير إلى نكتة لطيفة في المقام ، وهي أنّ هؤلاء يرون أنّ جميع ما لديهم من الأموال والنعم هي مواهب إلهية ومن مال الله ، وعليه فلا دليل على البخل في بذل شيءٍ منها إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين ، ويتضح أيضاً من ذلك أنّ «الانفاق» لا ينحصر بالزكاة بل يستوعب معنىً أكبر من ذلك بحيث يشمل الصدقات الواجبة والمستحبة.
«الآية السابعة» والأخيرة من الآيات محل البحث وضمن الأمر بضرورة رعاية الاعتدال في البذل والعطاء والابتعاد عن الافراط والتفريط تصور لنا صياغة للسخاء والكرم الّذي هو الحدّ الوسط بين البخل والإسراف وتقول : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)(٢).
وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليهالسلام بيان هذا المطلب في مثال جميل حيث قال أخذ الإمام عليهالسلام قبضة من التراب من الأرض وأمسك عليها بشدة وقال : هذا هو البخل ، ثمّ أخذ قبضة اخرى وفتح يده إلى درجة أنّ جميع التراب انثال على الأرض فقال : هذا هو الإسراف ، وفي الثالثة أخذ قبضة وقلب كفه نحو السماء وفتحها فوقع شيء من
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية ٣.
٢ ـ سورة الإسراء ، الآية ٢٩.