وقد ورد في الرواية الشريفة عن الإمام زين العابدين عليهالسلام انه كلّما جاءه سائل وأعطاه من ماله فإنه يُقبل يد السائل ، فلمّا سُئل عن سبب ذلك قال لانها تقع في يد الله قبل يد العبد (١).
«الآية الرابعة» وضمن الإشارة إلى نكتة مهمة في دائرة الانفاق تقول (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٢).
وعلى هذا الأساس فإنّ «السخاء» و«الانفاق» في سبيل الله بأي شكل كان فإنه مطلوب ومحبوب ، ومن جهة اخرى فإنّ «الانفاق» يورث الإنسان الأمن من عذاب الله ويزيل الهمَّ والحزن من قلبه ، فالأشخاص الكرماء لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون لأن الله تعالى قد ضمن رزقهم وسعادتهم فلا يحزنون على ما بذلوه في سبيل الله لانهم يعلمون انما ينتظرهم من فضل الله تعالى أكثر وأكثر ممّا بذلوه في هذه الحياة الدنيا.
«الآية الخامسة» تقرر هذا المعنى بتعبير آخر وتتحدّث عن الانفاق بالقول (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)(٣).
وفي لغة العرب فإنّ كلمة «بر» تأتي بمعنى الاحسان المقارن للقصد والاختيار ، وهذه من علامات شخصية الإنسان ومعنويته ، واللطيف أنّ «البر» في هذه الآية جاء بشكل مطلق ، وهذا يدلّ على أنّه ما لم يكن الإنسان سخياً وكريماً فإنه لا يصل إلى حقيقة البر والاحسان ، رغم أنّ بعض المفسّرين فسّر كلمة «البرّ» بمعنى الجنّة ، وبعض آخر ذكر أنّها بمعنى «التقوى» و«الثواب الجزيل» ولكنَّ الظاهر أنّ مفهوم البرّ واسعٌ يشمل جميع ما ذُكر له من مصاديق.
__________________
١ ـ بحار الأنوار ، ج ٩٣ ، ص ١٢٩.
٢ ـ سورة البقرة ، الآية ٢٧٤.
٣ ـ سورة آل عمران ، الآية ٩٢.